شابّاً جيلانياً يسمّى عبد القادر يعرف بسبط أبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو، فاضطرب وتغيّر وجهه وقال: والله! لقد وصلت إلى "بغداد"، معي بقية نفقة لي فسألت عنك فلم يرشدني أحد ونفذت نفقتي، ولي ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي، إلاّ مما كان لك معي، وقد حلّت لي الميتة وأخذت من وديعتك هذا الخبز والشواء، فكل طيباً، فإنّما هو لك، وأنا ضيفك الآن، بعد أن كنت ضيفي، فقلت له: وما ذاك؟ فقال: أمّك وجهت لك معي ثمانية دنانير، فاشتريت منها هذا للاضطرار، فأنا معتذر إليك، فسكته، وطيبت نفسه، ودفعت إليه باقي الطعام وشيئاً من الذهب برسم النفقة فقبله وانصرف[1].
قال سيّدنا الإمام الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلي رضي الله تعالى عنه: مكثت خمساً وعشرين سنةً متجرّداً سائحاً في براري "العراق" وخرابه، وأربعين سنةً أصلّي الصبح بوضوء العشاء، وخمس عشرة سنةً أصلّي العشاء، ثم أستفتح القرآن وأنا واقفٌ على رجل واحدة ويدي في وتد مضروب في حائط خوف النوم حتّى أنتهي إلى آخر القرآن عند السحر وكنت ليلةً طالعاً في سلم فقالت لي نفسي: لو نمت ساعةً ثم قمت فوقفت في الموضع الذي خطر لي فيه هذا،