عزيمته بل استمرّ بالوعظ والتدريس، حتّى منّ الله تعالى عليه فجمع قلوب الناس عليه، فتهافتوا إلى مجلس وعظه وحصل له القبول التام بينهم، وانتصر أهل السنّة به، واعتقدوا ديانته وصلاحه وانتفعوا بكلامه، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته رحمه الله تعالى.
يقول أبو بكر عبد الرزاق: سمعت والدي الشيخ محيي الدين عبد القادر رضي الله عنه يقول: كنت ليلةً في جامع المنصور أصلّي فسمعت حسّ مشي على السواري فجاءت حية عظيمة وفتحت فاها موضع سجودي، فلمّا أردت السجود دفعتها بيدي وسجدت، فلمّا جلست للتشهّد مشت على فخذي، وطلعت على عنقي والتفت عليه، فلمّا سلمت لَم أرها، فلمّا كان الغد دخلت خرابة بظاهر الجامع، فرأيت شخصاً عيناه مشقوقتان طولاً فعلمت أنّه جنّي، فقال لي: أنا الحية التي رأيتها البارحة، ولقد اختبرت كثيراً من الأولياء بما اختبرتك به، فما ثبت أحد منهم لي كثباتك، وكان منهم من اضطرب ظاهراً وباطناً، ومنهم من اضطرب باطنه وثبت ظاهره، ومنهم من اضطرب ظاهره وثبت باطنه، ورأيتك لم تضطرب باطناً ولا ظاهراً، وسألني أن يتوب على يدي فتوبتُه[1].