قلتُ: وحدَّثنا من طريقٍ آخر أنَّ الحريري رحمه الله تعالى رآه عند وفاته، وهو يقرأ القرآن الكريم.
فقال له: ارفُقْ بنفسك.
فقال: يا أبا محمَّدٍ، رأيتَ أحدًا أحوج إليه منَّي في هذا الوقت، وهو ذا تُطوَى صحيفتي[1].
إخوتي الأعزَّاء! إنَّ اللبيب العاقل الذي لا يضيِّع وقته ولا وقت الآخرين، بل يقدِّره ويحترمه ويغتنمه بالأعمال الصالحة الطيّبة ويرغِّب الآخرين لذلك، وينصح من يفكِّر في إضاعة وقته الثمين، ويحاسب نفسه إنْ تكلَّم فيما لا يعنيه، ولقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى متعوِّدين على ذلك، فتعالوا بنا لنسمع أيضًا بعض قصصهم الإيمانيّة في ذلك لنتَّعظ بها ونعتبر:
(۱) فمثلًا: كان سيّدُنا الفُضَيل بن عِياضٍ رحمه الله تعالى جالسًا وحده في المسجد الحرام، فجاء إليه أخٌ له، فقال له: ما جاء بك؟
قال: المؤانسة يا أبا علي.
فقال: هي والله بالمواحشة أشبه.
[1] "عيون الحكايات"، الحكاية السابعة والستون بعد المائتين، ص ۲۵۰، و"شعب الإيمان"، باب في الصلوات، فصل تحسين الصلاة والإكثار منها، ۳/۱۷۲، (۳۲۵۴) بألفاظ مختلفةٍ.