نادمين ومتحسّرين على ما فرطنا في أنفسنا بإضاعة أوقاتنا الغالية، فلم يكن سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى ممَّن يضيِّعون ساعاتهم الثمينة، بل كانوا يقدِّرونها ويغتنمونها، ولم يغفلوا عن فعل الطاعات والخيرات حتَّى في أصعب الأوقات وأشدّها كسكرات الموت التي تعتبر من أشدّ اللحظات على الإنسان، فتعالوا بنا أيُّها الإخوة لنسمع في ذلك حكاية إيمانيّة مؤثِّرة نتعلّم منها قدر الوقت وقيمته، وقد ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه "عيون الحكايات" قائلًا:
حدّثنا أحمد بن محمّد بن زياد قال: سمعتُ أبا بكر العطّار يقول: حضرتُ سيّدنا جنيدًا رحمهم الله تعالى عند الموت أنا وجماعة من أصحابنا، وكان قاعدًا يصلِّي ويثني رجله إذا أراد أنْ يركع ويسجد، فلم يزل كذلك حتّى خرجتِ الروحُ من رجليه، فثقل عليه حركتها، فمَدَّ رجليه، وكانتا قد تورَّمتا.
فرآه بعضُ أصدقائه ممَّن حضره، فقال: ما هذا يا أبا القاسم؟
فقال: هذه نِعَمٌ.
الله أكبر، فلمَّا فرغ من صلاته قال له أبو محمَّد الحريري: يا أبا القاسم، لو اضطجعت!
فقال: يا أبا محمَّدٍ! هذا وقت يؤخذ منه.
الله أكبر، فلم يزل كذلك حاله حتَّى خرجتْ روحه.