بجزءٍ مِن الأرض لا يقع في نحو حجر الأملس، وكلّ ما لا يلتزق شيء منه بالكفّين إنّما الواقع فيه امساسها بالكفّين امستا بالجزء فلم يستعمل الجزء فيهما، وعليهما إلّا بالواسطة، وهذا معنى استعماله الحكمي.
أمّا جعله آلة للتطهير فكلامٌ جملٌ خفيٌّ لا يحصل به التعريف فإنّه بإطلاقه يشمل ما إذا ذرّ التراب على وجهه وذراعيه بنيّة التطهير فقد جعله آلة له، ولا يصير متيمّمًا ما لم يمسح بيديه على وجهه وذراعيه بنيّة التطهير بعد وقوع التراب عليها، والمسألة منصوصٌ عليها في المعتمدات "كالخانية والخلاصة والخزانة المفتين والإيضاح والجوهرة" وغيرها ستأتي إن شاء الله تعالى.
ثم أقول: بل التحقيق عندي أنّ الاستعمالَ هو المسح كما فسّره السيّدان الطحطاوي والشامي، وهو حقيقة التيمّم كما حقّقه المحقّق حيث أطلق فلا بدّ مِن وجوده حقيقة بالمعنى الذي سنحقّقه إن شاء الله تعالى فلا يكفي الاستعمال الحكمي، وإلّا لم يكن تيمّمًا حقيقة؛ لأنّ الحقيقةَ الركن حقيقة، بل الصعيد هو المنقسم إلى الحقيقي: وهو جزءٌ مِن جنس الأرض، والحكمي: وهو الكفّ الذي أمس به على نيّة التطهير، فإنّ الشرعَ المطهّرَ أمرنا أنْ نمسح وجوهنا وأيدينا منه، وأرشدنا إلى صفة بأن نضع الأكفّ عليه فنمسح بها مِن دون حاجة إلى أنْ يلتزق بها شيء منه بل سنّ لنا أنْ ننفضها إنْ لزق حتى يتناثر فعلم أنّ الجزءَ الملتزقَ ساقط الاعتبار بل مطلوب التجنّب، فما هو إلّا أنّ الكفّين بوضعهما المنوي يورثهما الصعيد صفة التطهير فيقومان مقامه ويفيدان حكمه فهما الصعيد الحكمي حكمًا مِن ربّنا تبارك وتعالى غير معقول المعنى.