فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدنا جميعا. فدفعنا حتى أقامنا خلفه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر. ثم فطنت به. فقال هكذا، بيده. يعني شد وسطك. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يا جابر!" قلت: لبيك. يا رسول الله! قال "إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه. وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك".
(3011) سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قوت كل رجل منا، في كل يوم، تمرة. فكان يمصها ثم يصرها في ثوبه. وكنا نختبط بقسينا ونأكل. حتى قرحت أشداقنا. فأقسم أخطئها رجل منا يوما. فانطلقنا به ننعشه. فشهدنا أنه لم يعطها. فأعطيها فقام فأخذها.
(3012) سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح. فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته. فاتبعته بإداوة من ماء. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به. فإذا شجرتان بشاطئ الوادي. فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها. فقال "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كالبعير المخشوش، الذي يصانع قائده. حتى أتى الشجرة الأخرى. فأخذ بغصن من أغصانها. فقال "انقادي علي بإذن الله" فانقادت معه كذلك. حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما (يعني جمعهما) فقال "التئما علي بإذن الله" فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحش رسول الله صلى الله عليه وسلم بقربي فيبتعد (وقال محمد بن عباد: فيتبعد) فجلست أحدث نفسي. فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا. وإذا الشجرتان قد افترقتا. فقامت كل واحدة منهما على ساق. فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة. فقال برأسه هكذا (وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا) ثم أقبل. فلما انتهى إلي قال "يا جابر! هل رأيت مقامي؟" قلت: نعم. يا رسول الله! قال "فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا. فأقبل بهما. حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك".
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته. فانذلق لي. فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا. ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري. ثم لحقته فقلت: قد فعلت. يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال "إني مررت بقبرين يعذبان. فأحببت، بشفاعتي، أن يرفه عنهما، ما دام الغصنان رطبين".
(3013) قال فأتينا العسكر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا جابر! ناد بوضوء" فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الركب من قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء، في أشجاب له، على حمارة من جريد. قال فقال لي "انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شئ؟" قال فانطلقت إليه فنظرت فيها