انْتَظَرْتُ فَراغَه، وعندَما خَتَمَ الدُّعاءَ سَلَّمْتُ عليه، فرَدَّ عليَّ السَّلامَ، وعَرَفَنِيْ، حِين ذاك ابْتَسَمَ ابْتِسامَةً صَغيرَةً، ثُمَّ حَزِنَ، قُلْتُ له: لِماذا تُعَلِّقُ الدَّلْوَ في رَقَبَتِك وتَضَعُ فيه أصابِعَ يَدِك؟ فقال مُتَأَسِّفًا: كان لَدَيَّ مَحَلُّ بِقالَةٍ صَغِيْرٌ، ذاتَ مَرَّةٍ جاءني مُتَسَوِّلٌ، فأَعْطَيْتُه بَعْضَ الفُلُوْسِ، فدَعَا لِيْ بكُلِّ خَيْرٍ، ورَجَعَ، ثُمَّ أَتَى في اليومِ الثّانِي وأَخَذَ الفُلُوْسَ وذَهَبَ، وبعدَ ذلك اسْتَمَرَّ على عادَتِه، وكُنْتُ أُعْطِيْه شيئًا مّا، بعضَ الأَحْيانِ كان يَجْلِسُ في مَحَلِّيْ ويُحَدِّثُني ما أَصابَه في حَياتِه مِن الهَمِّ والْحُزْنِ، فلمّا سَمِعْتُ قِصَّتَه تَأَلَّمْتُ لِحالِه وتَعاطَفْتُ معه، وتَعَلَّقْتُ به، وهكذا مَرَّتْ الأَيّامُ، غابَ ذاتَ مَرَّةٍ عَنِّيْ عِدَّةَ أَيّامٍ، ففَكَّرْتُ وقُلْتُ رُبَّما يكون مَرِيْضًا، وإلاّ لَمَا غابَ، وكنتُ لا أَعْلَمُ أَيْنَ يَقَعُ بَيْتُه، لَكِنِّيْ أَعْلَمُ أنَّه يَسْكُنُ في عُشَّةٍ تَقَعُ ظاهِرَ المدينَةِ فبَحَثْتُ عن بيتِه حتَّى وَصَلْتُ إليه، وعندَما دَخَلْتُ إليه رَأَيْتُ قِطَعًا مِن ثِيابٍ قَدِيمَةٍ وأَوانيَ مَكسُوْرَةً تَنْتَشِرُ في كُلِّ مَكانٍ، فكان في غايَةِ الفَقْرِ على ما يَبدُوْ، ويَتَأَلَّمُ على سَريرِه مَريضًا، ويَبدُو أنّه لا يَبْرَأُ مِن مَرَضِه، فسَلَّمْتُ عليه، ووَقَفْتُ أمامَ السَّريرِ، ففَتَحَ عَيْنَيْهِ وأَشارَ إلَيَّ