فأقول: لم يعلم كونها طهورًا إلّا بالكريمة، والكريمة لم تشرط لطهوريّتها إلّا طيبها وطهارتها، وما زالت الطهوريّة إلّا لزوال الطهارة فإنْ عادت عادت فلا بدّ مِن القول بما قالوا، والميل إلى ما مالوا.
أقول: لكن قد يلزم عليه أنّها إذا أصابها الماء تنجس، وعادت نجسة؛ لأنّ القليلَ والكثيرَ مِن النجاسة سواء في الماء القليل فيتنجس، ثمّ ينجس الأرض، وهو أحد تصحيحين في كلّ ما حكم بطهارته بغير مائع كما فصله "البحر في البحر" قبيل قوله: وعفي قدر الدرهم، ونقل عن "المحيط" في خصوص مسألة الأرض أيضًا أنّ الأصحَّ عود النجاسة لكن الرواية المشهورة أنّها لا تعود نجسة، وهو المختار، "خلاصة": وهو الصحيح. "خانية ومجتبى": وهو الأولى لتصريح المتون بالطهارة، وملاقاة الماء الطاهر للطاهر لا توجب التنجّس، وقد اختاره في "فتح القدير" فإنّ من قال: بالعود بناه على أنّ النجاسةَ لم تزل، وإنّما قَلَّت[1] انتهى، "بحر".
أقول: والتحقيق والنظر الدقيق إنّ هذا أيضًا لا يلزمهم، ولا بعدم لزومه يستضرّ مقصودهم، أعني: الإمام ملك العلماء والشارحين فلربّما يعفى مثل القليل في الماء أيضًا كما نصّوا في رشاش البول كرؤوس الإبر، ووقوع بعرة أو بعرتين إلى ما يستقلّه الناظر في البئر، وكذا الخثي والروث القليلان فليكن هذا أيضًا مِن ذاك. كيف وما بقي بعد الجفاف، وذهاب الأثر حتّى لم يبق ريح، ولا لون لا يكون إلّا كرؤوس الإبر أو أقلّ؟