ومعنى الطاهر هنا في المتون وغيرها سائغ الاستعمال، وإلّا فقد صرّحوا بطهارة المنيّ بالفرك، ومعلوم قطعًا أنّه لا يزول بالكلّيّة بل تبقى له أجزاء، ولا إمكان للحكم بطهارة أجزاء النجس ما دامت العين باقية فلا معنى إلّا المعفو عنه السائغ الاستعمال، وقد عفي أيضًا في الماء فإنّ المختارَ كما في "الخلاصة" عدم عوده نجسًا بإصابة الماء[1].
فظهر ولله الحمد صحّة ما قالوه: مِن أنّها طاهرة في حقّ الصلاة نجسة في حقّ التيمّم، وأن لا خلاف بينه وبين ما في المتون مِن حكم الطهارة، وإن ما فعل جمّ الغفير مِن الاقتصار على تقييد الصعيد بالطاهر صافٌّ طاهرٌ لا غبار عليه، والله تعالى الموفّق.
ثمّ قد يسبق إلى بعض الأذهان أنّهم جعلوا حقيقة التيمّم مجرد القصد، وهو ظاهر الفساد، ولذا اعترضه عبد الحليم في "حاشية الدرر": بأنّه لا يفهم منه الاستعمال، وهو ركن كما لا يخفى[2] انتهى.
وأقول: ليس كذلك بل قالوا: للتطهير يعنى المعروف المعهود مِن مسح الوجه واليدين فكان معنى التيمّم: هو أنْ يقصد صعيدًا طاهرًا فيمسح وجهه ويديه منه، وهذا المجموع عين ما أفاده النظم الكريم غير أنّه ليس فيه ما في كلام هؤلاء أنّ المجموعَ ركنٌ، والله تعالى أعلم.