الله سبحانه وتعالى عنّي وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك.
اعلموا! أنّي كنتُ في عنفوان شبابي ارتحلتُ مِن وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتّفق حصولي بأقصى المغرب وحلولي بمصر في تسعة نفر مِن أصحابي طلبةٍ للعلم وسامعي الحديث، وكنّا نختلف إلى شيخٍ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم للحديث وأعلاهم إسنادًا، وأصحّهم روايةً، وكان يملي علينا كلّ يوم مقدارًا يسيرًا مِن الحديث حتّى طالت المدّة، وخفّت النفقة، ودفعتنا الضرورة إلى بيع ما صحبنا مِن ثوب وخرقة الآن، لم يبق لنا ما كنّا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيّام بلياليها جوعًا وسوء حال، ولم يذق أحد منّا فيها شيئًا.
وأصبحنا بُكْرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحدٍ مِن جملتنا من الجوع وضعف الأطراف وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك، ولم تطب قلوبنا به، وأنف كلّ واحد منّا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى السؤال على كلّ حالٍ، فوقع اختيار الجماعة على كتابة رقاع بأسَامي كلّ واحد منّا وإرسَالها قُرعة، فمَن ارتفع اسمه عن الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولجميع أصحابه.
فارتفعت الرقعة التي اشتملت على اسمي فتحيّرتُ ودهشتُ ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلّة، فعدلتُ إلى زاويةٍ من المسجد