مدونات مختارة
الأكثر شهرة
الزكاة طريق إلى تنمية المجتمع | إدارة الشؤون العربية
الزكاة فريضة مقدسة، وعبادة روحية تقرّب المسلم من ربّه، وتجعله أكثر إيمانًا وخضوعًا لمولاه، كما أن الزكاة دعامة أساسية للتكافل الاجتماعي بين المسلمين وتنمية المجتمع الإسلامي؛ لأنها تربطهم ببعضهم البعض، وتساعدهم على التراحم والتعاطف، والتعاون في رعاية الفقراء والمساكين، ولذلك يجب أن تكون الزكاة دقيقة في حسابها وإخراجها، وأن تصل إلى مستحقّيها الحقيقيّين، الذين هم بأمس الحاجة إليها.
ما هي الزكاة؟
الزكاة هي إخراج الأغنياء جزءا معينا من ثروتهم ومالهم لصالح الفقراء والمساكين المذكورة في قول الله تعالى:
إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٦٠ [التوبة: 60]
والزكاة هي تعبير عن شكر العبد لربّه على نِعَم الله عليه، واعترافه بفضله، واعترافه كذلك بحق الفقراء والمساكين عليه، وهي أيضًا تعبير عن التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم.
مفهوم الزكاة
الزكاة لغة:
إن للزكاة تعريفات متعددة في اللغة، منها: الطَّهَارَةُ وَالنَّمَاءُ. (الدر المختار: 2/256)
النماء أي نمو المال وازْدياده، قال الله تعالى:
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٢٦١ [البقرة: 261]
اصطلاحًا:
الزكاة فريضة إلهية، تُؤدَّى من المال الذي بلغ النصاب، والنصاب هو مائتا درهم من فضة أو عشرون دينارًا من الذهب، (الهداية: 1/102، بتصرف)
وحال عليه حول قمريّ، إلى مستحق الزكاة وفقًا لشروط معينة كما عرّفها الفقهاء:
هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ، وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْطِ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لله تعالى. (البحر الرائق شرح كنز الدقائق: 2/216)
فرضية الزكاة
ثبتت فريضة الزكاة بكتاب الله العزيز والسنَّة النبوية الشريفة وإجماع الأمة. (تحفة الفقهاء: 1/263 بتصرف)
الكتاب:
ورد ذكر الزكاة في القرآن الكريم بكثرة، منها ما ورد مقروناً مع الصلاة، ومنها منفرداً، وذلك للدلالة على أنها ركن أساسي من أركان الإسلام، ومن تلك الآيات القرآنية:
خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]
السنة:
أمَّا السنَّة، فالأحاديث في ذلك كثيرةٌ أيضاً؛ منها:
قول النبي ﷺ:
بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ. (صحيح البخاري: 8)
الإجماع:
وأما إجماع الأمة فقد قال العلامة بدر الدين العيني رحمه الله تعالى: أجمعت الأمة من الصدر الأول إلى زماننا حتى كفروا جاحدها، وفسقوا تاركها. (بناية شرح الهداية: 3/290)
متى فرضت الزكاة؟
فُرِضَتْ الزكاة فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، (الدر المختار: 2/256)
ورغم اختلاف العلماء في تحديد وقت فرضية زكاة المال، هل كانت قبل الهجرة أم بعدها، إلا أن أكثرهم ذهب إلى ما ذكرناه أي أنّها فرضت في السنة الثانية من الهجرة.
شروط وجوب الزكاة
لا تجب الزكاة على العبد إلا إذا توافرت فيه الشروط التالية:
1. الإسلام
2. البلوغ
3. العقل
4. الحُرّية
5. النصاب
6. مرور الحول
7. العلم بفرضيتها
8. أن يكون المال زائدًا عن الحاجة الأصلية
9. ألا يكون عليه دين مطالب به من جهة العباد
10. أن يكون المال ناميًا
فلا تجب الزكاة على الكافر ولا على الصبي ولا على المجنون ولا على العبد ولا على الفقير الذي لا يملك النصاب، وكذلك لا تجب على المحتاج الذي يملك النصاب ولكنه محتاج إليه لقضاء دينه أو لحاجة ضرورية، ولا تجب الزكاة إلا إذا حال الحول، وكذلك لا تجب على من يجهل فرضيتها فمثلا: لَوْ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَمَكَثَ هُنَاكَ سِنِينَ وَلَهُ سَوَائِمُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالشَّرَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا حَتَّى أنه لَا يُخَاطَبَ بِأَدَائِهَا إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. (بدائع الصنائع: 2/4-9 بتصرف)
مصارف الزكاة
الأصل فيه قوله تعالى:
إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ..... الآية. [التوبة: 60]
وهي ثمانية أصناف:
1) الفقير: من له أدنى شيء ولا يصل إلى أدنى النصاب.
2) المسكين: من لا شيء له
3) العامل عليها: الموظف المعين من قبل الحاكم لجمع أموال الزكاة
4) المؤلفة قلوبهم: هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام: إما كافر يُرجى إسلامه، وإما مسلم يعطى لتقوية الإيمان في قلبه، ولكن لا تعطى لهم الآن كما قال صاحب الهداية: وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم " وعلى ذلك انعقد الإجماع "
5) الرقاب: عتق المسلم من مال الزكاة عبدا كان أو أمة ومن ذلك مساعدة المكاتبين أيضاً
6) الغارم: من لزمه دين ولا يملك نصابا فاضلا عن دينه
7) في سبيل الله: الغزاة والمرابطين في الثغور للجهاد إن كان محتاجا
8) ابن السبيل: من كان له مال في وطنه " وهو في مكان آخر لا شيء له فيه. (الهداية: 1/110 بتصرف)
أنواع الزكاة
زكاة المال:
مال الزكاة "الأثمان"، وهو: الذهب والفضة وأشباهها، فإذا بلغ المال المدخر قيمة النصاب، وادّخرها لمدة عام على الأقل، وأما المستفاد في أثناء الحول فيضم إلى مجانسه ويزكي بتمام الحول الأصلي فيجب على جميع المال ربع العشر.
زكاة الأنعام:
وهي السائمة الَّتِي تُسَامُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ، وتكتفي بالرعي فِي أَكثر الْحول أَمَّا لَوْ سِيمَتْ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِعَدَمِ النَّمَاءِ (الاختيار لتعليل المختار: 1/ 105 بتصرف)
وهي البقر والغنم والإبل والخيل.
زكاة التجارة:
واجبة على كل من وضع ماله في عروض التجارة، سواء كانت من البضائع أو النقود أو الأسهم أو أي شيء آخر يمكن تداوله، إذا بلغت قيمتها نصابًا من الورق أو الذهب، وحال عليه الحول.
زكاة الزروع:
صدقة واجبة على أصحاب الزرع عند الحصاد على محصوله فلا يشترط فيه حولان الحول ولا العقل ولا البلوغ كما أنها تجب فيما دون النصاب بشرط أن يبلغ صاعا وقيل نصف صاع. إذا سقي الزرع بماء السماء أو السيل، فيجب عليه العشر، أي 10% من المحصول، وأما إذا سقيَ الزرع بوسائل أخرى، فيجب نصف العشر، أي 5% من المحصول. (الدر المختار: 2/ 326-328بتصرف)
زكاة الركاز:
واجبة على المسلم الذي يجد ثروات مدفونة في الأرض، ويُخرج منها الخمس، وذلك وفق الأحكام الشريعة الإسلامية.
زكاة الفطر:
صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة على الْمُسلم الْحر الْغَنِيّ -لا يشترط العقل ولا البلوغ- وقت وجوبه هو الْفجْر الثَّانِي من يَوْم الْفطر ووقت استحبابه هو إخراجها قبل الخروج إلى المصلى بعد طلوع فجر الفطر وصح أداؤها إذا قدمه على يوم الفطر أو أخره.
- نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر (تحفة الفقهاء: 1/333-339 بتصرف)
وتحدد قيمتها في كل عام من قبل الجهات المختصة في كل بلد.
حكم مانعي الزكاة
أولا: من منع الزكاة جاحدا لوجوبها.
وقد اتفق العلماء على أن من جحد الزكاة وهو يعلم وجوبها فهو كافر، وذلك حين توفي رسول الله ﷺ وتولى الخلافة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، واجه ردة قوية من بعض القبائل، فكانت على صنوف شتى، فمنها من عاد إلى عبادة الأوثان، ومنها من امتنع عن أداء الزكاة.
فأطلق الصحابة على هؤلاء القبائل اسم "المرتدين"، وقاتلوهم.
فسأل عمر بن الخطاب أبا بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله ﷺ:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه"؟
فأجاب أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عُقالا، وهو الحبل الذي يربط به البعير، لقاتلتهم. (صحيح البخاري: 7284)
وقصد أبو بكر بذلك أنه لا يفرق بين أي حق من حقوق الله تعالى، ولو كان يسيرا، فوجب عليه القتال من أجله.
ثانيا: من منع الزكاة بخلا
من منع الزكاة بخلا فلا يكفر بل يعذب في يوم القيامة قال الله تعالى:
وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤ يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ ٣٥ [التوبة: 35]
فضائل الزكاة
إن فضائل الزكاة كثيرة لا تكاد أن تحصى، ومن ذلك:
1. أنها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى
2. إكمال إسلام العبد وإتمامه، لأنها ركن من أركان الإسلام الخمسة
3. أنها سبب من أسباب دخول الجنة
4. أنها دليل على صدق إيمان المُزكّي،
5. أنها دليل على الجود والكرم
6. أنها من أعظم أسباب انشراح الصدر وطيب النفس
7. أنها سبب للنجاة من حرّ يوم القيامة
8. أنها سبب لنماء المال وبركته
9. أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة،
فوائد الزكاة للفرد:
للزكاة فوائد عظيمةٌ على الفرد، منها:
• زيادة الأجر والثواب
• دليل على الصدق
• تطهير النفس من الطمع والأنانية
• تطهير النفس من البخل والشح
• طهارة المال وزيادة البركة فيه
فوائد الزكاة للمجتمع:
فوائد الزكاة للمجتمع كثيرة أيضًا، ومنها:
• تخفيف الفقر والبطالة
• تعزيز التكافل الاجتماعي
• تنمية المجتمع
وهكذا، فإن للزكاة فوائد عظيمة للمجتمع والأمة، وهي عبادة أصلًا وركن في الإسلام، كما أنها تساعد على تحقيق الرخاء والازدهار للمجتمع، وتساهم في حل العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
أخيرا!
الزكاة ركن من أركان الإسلام، وفريضة عظيمة، لها آثارها الإيجابية على الفرد والمجتمع، إلا أن الكثير من المسلمين قد أضاعوها، وقصروا في أدائها، وقد ضاقت نفوسهم عن أداء حق الله تعالى في أموالهم، فعاقبهم الله تعالى بالعديد من المشكلات الاقتصادية التي لا يجدون لها حلاً.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من جميع الفتن والآفات، وأن تبعدنا عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم طهر قلوبنا من البخل والشح والحقد والضغينة، واجعلنا من عبادك المتقين، الذين يرجون رحمتك ويخشون عذابك.
تعليقات