الحمد لله رب العالمين، الذي جعلنا من المؤمنين، ولا سبيل إلى معرفة عبوديته إلا سبيل الخاشين، ولا سبيل إلى خشيته إلا سبيل العلماء والعارفين، فقال تعالى: (إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ)[1]، فأوجب طلب العلم وحرّم اتباع الوهم، فقال سبحانه: (وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ)..[2]
والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، أعلم الخلق أجمعين، جاء بالحق والرحمة والنور المبين، ليهدي الخلق إلى صراط ربه المستقيم، وعلى آله الكرام المنتخبين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم وحمل رايتهم إلى يوم الدين وبعد:
فإن الأنبياء لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وإن الله تعالى يغار على ميراث نبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فمهما ادّعى أحدٌ العلم والحق فلا يقبل منه حتى يكون على منهج أهل السنة والجماعة، على مذهب الأشاعرة والماتريدية اعتقاداً، وعلى مذاهب الأئمة الأربعة فقهاً، وعلى طريقة الجنيد تصوفاً وسلوكاً، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين)...[3]
فيقيض الله لهذا الدين في كل جيل خيرته وأفاضله لخدمته وأداء رسالته، ومن هؤلاء العلماء العلامة الجليل، والإمام العظيم، أوحد زمانه، وفائق أقرانه، مجدد الدين في عصره، سيدي الشيخ الإمام أحمد رضا خان الهندي رحمه الله تعالى، الذي كان أعجوبة في إحاطته بالعلوم واستحضاره تفاصيلها، ونادرةً في الذكاء والحفظ، فكان بحق ناصراً للدين، ومعظماً لجناب سيد المرسلين، وقامعاً للمبطلين والمبتدعين، ومرشداً للتائهين والحائرين، ورحيماً ومحباً لإخوانه المؤمنين، وقد مضى على رحيل الإمام رحمه الله تعالى مائة عام، وبهذه المناسبة نقدم لكم إخوتنا في الله وأحباب رسول الله، هذه الورقات التي تناولت مختلف جوانب حياة الإمام وسيرته، وإن كانت قاصرة في حقه، فقد ألفت مجلدات في سيرة الإمام وعلومه، إلا أننا آثرنا أن نوجزها ونيسرها للقارئ، وما أعظم وأكرم أن نحيي ذكر العلماء والأولياء، فبهم عرفنا الحق وما يرضي الله، وبهم شيدنا الحضارة وسدنا الأمم، ولا قيام لنا إلا بالعودة إلى علمائنا والقيام بحقهم... والحمد لله رب العالمين.