وَلَمَّا بَلَغَ صَلَّى اللهُ تَعَالٰى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَثَلَاثِيْنَ سَنَةً، بَنَتْ قُرَيْشٌ اَلْكَعْبَةَ لِانْصِدَاعِهَا بِالسُّـيُوْلِ الْأَبْطَحِيَّةِ وَتَنَازَعُوْا فِيْ رَفْعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَكُلٌّ أَرَادَ رَفْعَهُ وَرَجَاهُ ۞ وَعَظُمَ الْقِيْلُ وَالْقَالُ، وَتَحَالَفُوْا عَلَى الْقِتَالِ، وَقَوِيَتِ الْعَصَبِيَّةُ ثُمَّ تَدَاعَوْا إِلَى الْإِنْصَافِ وَفَوَّضُوا الْأَمْرَ إِلـٰى ذِيْ رَأْيٍ صَائِبٍ وَأَنَاةٍ فَحَكَمَ بِتَحْكِيْمِ أَوَّلِ دَاخِلٍ مِنْ بَابِ السَّدَنَةِ الشَّيْبِيَّةِ فَكَانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ تَعَالٰى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ دَاخِلٍ فَقَالُوْا: هٰذَا الْأَمِيْنُ وَكُلُّنَا نَقْبَلُهُ وَنَرْضَاهُ ۞ فَأَخْبَرُوْهُ بِأَنَّهُمْ رَضُوْهُ أَن يَّكُوْنَ صَاحِبَ الْحُكْمِ فِيْ هٰذَا الْمُلِمِّ[1] وَوَلِيَّهُ فَوَضَعَ الْحَجَرَ فِيْ ثَوْبٍ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تَرْفَعَهُ الْقَبَائِلُ جَمِيْعًا إِلـٰى مُرْتَقَاهُ ۞ فَرَفَعُوْهُ إِلـٰى مَقَرِّهِ مِنْ رُكْنِ هَاتِيْكَ الْبَنِيَّةِ وَوَضَعَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالٰى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الشَّرِيْفَةِ فِيْ مَوْضِعِهِ الْآنَ وَبَنَاهُ ۞
عَطِّرِ اللّٰهُمَّ قَبْرَهُ الْكَرِيْمَ
بِعَرْفٍ شَذِيٍّ مِنْ صَلَاةٍ وَتَسْلِيْمٍ
(اَللّٰهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ)
وَلَمَّا كَمُلَ لَهُ صَلَّى اللهُ تَعَالٰى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُوْنَ سَنَةً عَلـٰى أَوْفَقِ الْأَقْوَالِ لِذَوِي الْعَالِمِيَّةِ، بَعَثَهُ اللهُ تَعَالـٰى لِلْعَالَمِيْنَ بَشِيْرًا وَنَذِيْرًا فَعَمَّهُمْ بِرُحْمَاهُ ۞ وَبُدِئَ إِلـٰى تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ الْجَلِيَّةِ فَكَانَ لَا يَرٰى رُؤْيًا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ صُبْحٍ ضَاءَ سَنَاهُ ۞ وَإِنَّمَا ابْتُدِئَ بِالرُّؤْيَا تَمْرِيْنًا لِلْقُوَى الْبَشَرِيَّةِ[2]؛ لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَلَكُ بِصَرِيْحِ النُّـبُوَّةِ فَلَا تَقْوَاهُ قُوَاهُ ۞ وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَتَعَبَّدُ بِحِرَاءِ اللَّيَالِيَ الْعَدَدِيَّةَ إِلـٰى أَنْ أَتَاهُ فِيْهِ صَرِيْحُ الْحَقِّ وَوَافَاهُ ۞ وَذٰلِكَ فِيْ يَوْمِ الْاِثْنَيْنِ