يَبِيْعَ الْمُخَدِّراتِ وأَصْبَحَ عَصَبِيَّ الْمِزَاجِ يَمِيْلُ إلى الْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ ولِسَانُه طَوِيْلٌ وغَيْرُ مُهَذَّبٍ كَثِيْرًا مَّا يَسُبُّني، ويُهِيْنُني، وحَاوَلْتُ أنْ أَتَفَاهَمَ مَعَه، ولكن بدُوْنِ جَدْوَى.
وذاتَ يَوْمٍ تَمَكَّنَ رِجَالُ الأَمْنِ مِنْ إلْقَاءِ الْقَبْضِ علَيْه وسِجْنِه، وعِنْدَما خَرَجَ مِنَ السِّجْنِ بَعْدَ حَوَالِي ثَمَانِ أَشْهُرٍ، إذا به قد تَغَيَّرَ تَمَامًا، فما أن الْتَقَى مَعِيَ حتَّى اِنْكَبَّ يَضَعُ خَدَّه على قَدَمِي، وهو يَبْكِي بُكَاءً شَدِيْدًا ويَطْلُبُ السِّمَاحَ مِنِّي، وفي هذِه الأَثْنَاءِ رُفِعَ الأَذَانُ، فذَهَبَ إلى الْمَسْجدِ لِصَلاَةِ الْمَغْرِبِ، وكانَ وَجْهُه مُنَوَّرًا، وبَعْدَ هذَا رَأَيْتُه قد صارَ يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ الله تعالى، والصَّلاةِ على الْحَبِيْبِ الْمُصْطَفَى صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم، ولَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ، ونامَ اِبْنِي بَعْدَ أَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ جَمَاعَةً في الْمَسْجِدِ، اسْتَيْقَظْتُ في اللَّيْلِ فلَمْ أَجِدْه رَاقِدًا علَى السَّرِيْرِ فخِفْتُ وفَزِعْتُ فَزْعًا شَدِيْدًا وقُمْتُ أَبْحَثُ عَنْهُ فإذَا به يُصَلِّي التَّهَجُّدَ، وبَعْدَ أنْ اِنْتَهَى مِنَ الصَّلاَةِ أخَذَ يَتَضَرَّعُ إلى الله بالْبُكَاءِ وَالْخُشُوْعِ، فلَمَّا رَأَيْتُه على هذه الْحَالِ لَمْ أَتَمَالَكْ نَفْسِي فبَدَأْتُ أَبْكِي معَه على ما رَأَيْتُ مِنْ تَغَيُّرِ حَالِه وأَنَا مُتَعَجِّبَةٌ بشِدَّةٍ، ثم سَأَلْتُه بحَنَانٍ: ما بِكَ يا