إلا بدَلالَتِهِ. ولِلّهِ دَرُّ القائِلِ [1]:
فـلوْ قـبْـلَ مَبْكاهـا بكَـيْتُ صَبابـةً |
| بسُعْدى شفَيتُ النفسَ قبل التّنَدُّمِ | |
| ولكِنْ بكَتْ قَـبْلي فهيّجَ لي البُكا |
| بُكاهـا فـقُلتُ الـفضْلُ لـلمـتَـقـدِّمِ |
وأرْجو أنْ لا أكونَ في هذا الهذَرِ الذي أوْرَدْتُهُ [2] والمَوْرِدِ الّذي تَورّدْتُهُ كالباحِثِ عنْ حتْفِهِ بظِلْفِه, والجادِعِ مارِنَ أنْفِهِ بِكفّهِ [3],
[1] قوله: [للّهِ دَرُّ القائِلِ...إلخ] معناه: التعجب, أي: ما أحسن قول القائل, والعرب إذا أعجبهم شيء أو استحسنوه قالوا: ½لله فلان¼ فكان المعنى: سبحان القادر على خلق مثله, و½مبكاها¼ بكاؤها, و½الصبابة¼ رقّة الشَّوق وحرارتُه, منصوب على المفعول لأجله, والباء, في ½بسعدى¼ يتعلّق بـ½صبابة¼, و½سعدى¼ اسم عشيقة الشاعر, و½التندّم¼ هو أن يتّبع الإنسان أمراً ندما, ويقال: ½التقدّم قبل التندّم¼ أي: انج بنفسك قبل لقاءِ مَن لا طاقة لك به, و½هيّج¼ أثار وحرّك, وفاعل ½هيّج¼ ½بكاها¼ و½البكا¼ مفعوله والجار يتعلّق بالبكا الأوّل, يقول الشاعر: لو كنتُ بكيتُ قبل بكاء الورقاء وُلوعاً بعشيقتي المسمّاة بسعدى نجوتُ من الندامة, لكن الورقاء بكتْ قبل بكاءي فأثار بكائُها بكاءِي فاعترفتُ بفضلها لتقدّمها. و½البكاءُ¼ يمدّ ويقصر, فإذا مددتَ أردت الصوت الذي يكون مع البكاء, وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها, والمراد هنا بالثاني الممدود؛ لأنه مضاف إلى الحمامة على ما يعرف من صدر الأبيات, والحمامة له صوت وليس لها دموع, إلاّ أنه قصره لضرورة الشعر. (مغاني, الرازي, المصباحي)
[2] قوله: [الهذر الذي أوردته...إلخ] أي: الإكثار الذي أتيتُ به, و½المورد¼ موضع الوُرود, وأصله الموضع يشرب منه الماء, و½تورّد¼ أي: ورَد, و½الباحث¼ المفتّش, و½الحتف¼ الموت, يقال: ½مات فلان حتف أنفه¼ إذا مات من غير قتل ولا ضرب, و½الظلف¼ للبقر والغنم مثل الحافر للخيل والحمير, والظُّفر للإنسان, وهذا مثل يضرب لمن سعى في هلاك نفسه, وأصله: أنّ رجلاً وجد في طريقة كبشاً, فأراد ذبحه ولم يكن معه سكّين ولا شيء يذبح به, فبينا هو في طلب شيء يحصل به الذبح, إذ الكبش يضرب بيده الأرض ويبحث التراب, فإذا سكين قد خرج من بحث التراب ففرح الرجل وأخذ السكين وذبح به الكبش وأصلح شأنه. فصار ذلك مثلاً لكل من أتى فعلاً فيه هلاكه. (مغاني, الشريشي)
[3] قوله: [والجادِعِ مارِنَ أنْفِهِ بِكفّهِ] ½الجدع¼ أبلغ مِن القطع, و½المارن¼ ما لانََ من الأنف وفضل من قصبته, وتركيبه دال على اللين والملاسة, وإضافة المارن إلى الأنف مبنيّ على تجريده من معنى الأنف, وليس هذا بمثل
عربي, وإنما أخَذه مِن قول الفرزدق: ½وكنت كفاقئ عينيه عمداً¼, وضربه مثلاً لمَن أخطر وغرر نفسه, ويحتمل أن يشير بذلك إلى ما فعله قصير صاحب جذيمة بأنفه, وقصّته مشهورة, ورجا المصنف ألاّ يدركه من الضرر ما أدركا من الضّرر حين جنيا على أنفسهما وانتفع غيرهما, وقيل: هو من أمثال المولَّدين, وأصله: أنّ حجاماً سالَ مِن أنفه مُخاط وفي يده موسى فأراد إزالة المُخاط به فجدع أنفه فصار مثلاً, ووجه الشبه أنّ الجادعَ أنف نفسه بكفّه كمن يجلب العَيب والذَّمّ إلى نفسه باختياره فكذلك الذي يؤلّف ويصنّف. (المطرّزي, الرازي)