المقامةالثانية: وتُعرَف بالحُلْوانِية [1]
حَكى الحارِثُ بنُ هَمّامٍ قال: كلِفْتُ مُذْ ميطَتْ عنّي التّمائِمُ [2], ونِيطَتْ بيَ العَمائِمُ, بأنْ أغْشى مَعانَ الأدَبِ [3], وأُنضيَ إليْهِ رِكابَ الطّلَبِ, لأعْلَقَ منْهُ [4] بِما يكونُ لي زينَةً بينَ الأنامِ, ومُزنَةً عندَ الأُوامِ, وكُنْتُ لفَرْطِ اللّهَجِ باقْتِباسِه [5], والطّمَعِ في تقمّصِ لِباسِهِ, أُباحِثُ كلّ مَنْ جَلّ وقَلّ [6],
[1] قوله: [الحُلْوانِية...إلخ] نسَب هذه المقامة إلى حُلوان لوقوع القصّة الآتية فيها, و"حُلوان" بلدة بينها وبين بلدة "بغداد" أربع مراحل, سُمّيت باسم بانيها "حلوان بن علي" اُفتتِحت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (المصباحي)
[2] قوله: [كلِفْتُ مُذْ ميطَتْ عني التّمائِمُ...إلخ] ½كلفت¼ أي: اشتدّ حبّي, و½الكلَف¼ شدة الحبّ والمبالغة فيه, و½ميطت¼ أزيلت, ½تميمة¼ عُوْذَة أي: تعويذ وخَرَزات تعلّق على الإنسان والدواب, و½نيطت¼ علّقت, وكانت مِن عادة العرب أن تعلّق العُوَذ على الصبيان لأنْ لا يصابوا بعين السوء, فإذا كبُر أُزيلَت عنهم العوذ وألبِس العمامة والإزار وقُلّد السيف, يريد: أحببتُ مذ بلغتُ الحُلم مجالسَ الأدباء. (مغاني, الشريشي)
[3] قوله: [أغْشى مَعانَ الأدَبِ...إلخ] ½أغشى¼ أقصد وأدخل, أي: بأن آتي منازل الأدب, حرف ½أن¼ مع الفعل في تأويل المصدر, والمعنى: كلّفتُ بغشيان مجلس ينشد فيه علم اللغة, و½المعان¼ المنزل, سُمّي معاناً لمعاينة الناس فيه بعضهم بعضاً, أو لأنّ فيه أعياناً, و½أنضي¼ أهزل, و½الركاب¼ الإبل التي يسار عليها, لا واحد لها من لفظها, واحدتها راحلة, وجعل للطلب إبلاً مجازاً, وإنما يريد: أتعبتُ نفسي فرحلتُ إلى طلبه على الإبل. (مغاني, الشريشي)
[4] قوله: [لأعْلَقَ منْهُ...إلخ] أي: لأحصل منه على فائدة أتعلّق بها, و½الأنام¼ الخلق, اسم لما على الأرض, جمعٌ لا واحد له من لفظه, وقيل: هو اسم للحيوان الناطق, و½المُزنة¼ السحابة البيضاء, و½الأوام¼ شدّة العطش وأن يضِجَّ العطشان, يريد أنه يتعب نفسه في طلب الأدب ليتزيّن به بين الناس ويعيش به إذا احتاج إليه. (مغاني)
[5] قوله: [كُنْتُ لفَرْطِ اللّهَجِ باقْتِباسِه...إلخ] ½الفرط¼ مجاوزة الحدّ, و½اللهج¼ الولوع, يقال: ½قد لَهِج بالشيء¼ إذا أكثر الحديث به لحُبّه فيه وحِرصِه عليه, ½اقتباسه¼ اكتسابه, و½التقمّص¼ لبس القميص, و½لباسه¼ ثيابه, أي: أطمع أن ألبس من ثيابه قميصاً. (الشريشي بزيادة)
[6] قوله: [أُباحِثُ كلّ مَنْ جَلّ وقَلّ...إلخ] ½أباحث¼ أسائل, و½جلّ¼ عَظُم, و½قلّ¼ حَقَر, و½أستسقِي الوبْل والطلّ¼ أي: أطلب منه السقيَ, و½الوبل¼ أشدّ المطر, و½الطلّ¼ أضعفه, و½أتعلّل¼ أتشاغل, يقال: ½تعلّل بالأمر¼ أي: تشاغل به, و½عسى¼ و½لعلّ¼ معناهما الرجاء والطمع, يعني: أناظر الجليلَ في العلم والحقيرَ, ومَن كثُر علمُه وكان كالوبْل, أو قلّ وكان كالطلّ, وأرجو وأتوقّع أن أحصّل من العلوم الأدبية ما أتمنّاه. (شريشي, مغاني)