عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

بيْدَ أنّهُ معَ تلوّنِ حالِهِ [1] وتبَيّنِ مُحالِهِ يتحلّى برُواءٍ ورِوايَةٍ, ومُدراةٍ ودِرايَةٍ, وبَلاغَةٍ رائِعَةٍ [2], وبَديهةٍ مُطاوعةٍ, وآدابٍ بارِعةٍ, وقدَمٍ لأعْلامِ العُلومِ فارِعةٍ, فكانَ لمحاسِنِ آلاتِهِ [3] يُلْبَسُ على عِلاّتِه, ولِسَعَةِ رِوايَتِه يُصْبى إلى رؤيَتِهِ, ولخِلابَةِ عارِضَتِهِ [4] يُرْغَبُ عنْ مُعارضَتِهِ, ولعُذوبَةِ إيرادِهِ


 



[1] قوله: [بيْدَ أنّهُ معَ تلوّنِ حالِهِ...إلخ] ½بيدَ أنه¼ أي: غير أنه, وهي مبنيةٌ على الفتح, و½ميد¼ لغةٌ فيه, و½تلوّن حاله¼ كثر تبدله وتغيره, مِن قولهم: ½فلان متلوّن¼ إذا كان لا يثبت على خلق واحد, و½المحال¼ اسم مفعول مِن أحال الكلام إذا جعله مستحيلاً, والمراد به هنا الاحتيال, وقال الرازي: لم أقف عليه بهذا المعنى, ولو كانت الرواية بكسر الميم لصحّ المعنى؛ لأنّ ½المِحال¼ الكيدُ والمكر, ومنه قوله تعال: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ ٱلۡمِحَالِ[الرعد:١٣] في أحد التأويلَين, و½يتحلى¼ يتزيّن, و½الرواء¼ حسن المنظر, و½الرواية¼ الحكاية عن الغير, و½مداراة¼ حسن سياسة في صحبته, و½الدراية¼ مصدر ½دريتُ¼. (الرازي, شريشي)

[2] قوله: [بَلاغَةٍ رائِعَةٍ...إلخ] ½رائعة¼ أي: معجبة, ½راعه الشيءُ¼ يروعه روعاً أي: أعجبه, و½البديهة¼ من الكلام والشعر, ما جاء من غير تفكّر كثير, ويقال: ½فلان صاحب بديهة¼ أي: يصيب الرأي في أول ما يُفاجأُ به, و½مطاوعة¼ موافقة, و½البارعة¼ مَن ½برَع الشيءَ¼ إذا غلَب وفاقَ نظائرَه, و½برَع الرَجُل¼ إذا فاقَ أصحابَه في العلم وغيره, فهو بارِع, و½الأعلام¼ جبال, واحدها علم, وفي التنزيل: ﴿فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ [الرحمٰن:٢٤], ويقال: ½فرعت الجبل¼ أي: صعدت عليه وعلوت فَرْعَه, يقول: إنّ أبا زيد مع تبدّل أحواله وتبيّن احتياله كان يتّصف بأوصاف حسنة مثل حسن المنظر, ونقل الأخبار الغريبة, وحسن السياسةٍ, وفصاحة تُعجب القلوبَ, إصابة الرأي في أوّل وهلة, وآداب فاضلةٍ, وقدمٍ تعلو جبال العُلوم. (مغاني, المصباحي)

[3] قوله: [فكانَ لمحاسِنِ آلاتِهِ...إلخ] ½المحاسن¼ جمع حسن على غير قياس, و½الآلات¼ جمع آلة بمعنى العلم, وقوله: ½على عِلاَّتِهِ¼ أي: على كلِّ حال, و½يصبى¼ يحنّ ويشتاق, يعني: لتوفّر علومه يُخالَط ويُسكَن إليه على كلّ حال مِن أحواله ولكثرة روايته الحكايات والقصص يحنّ ويشتاق إليه. و½العِلات¼ أيضاً جمع علة, وهي المرَض, وهي عبارة عن الأفعال الذميمة, فقوله: ½يلبس¼ يحتمل وجهين على تفسير ½العلاّت¼ أحدهما يخالَط ويُعاش, كما قدّمناه, والثاني يُستَر من قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ[البقرة:٤٢] فيكون معناه: أنه كان لفضله تُستَر زلاته وهفواته, فـ½على¼ في الوجه الأول بمعنى ½مع¼ وفي الوجه الثاني على ظاهرها. (مغاني, الرازي)

[4] قوله: [لخِلابَةِ عارِضَتِهِ...إلخ] ½الخِلابة¼ الخديعة باللسان, و½العارضة¼ القدرة على الكلام والصرامة والرأي الجيد, و½المعارضة¼ المقابلة ومناقضة الكلام, ½رغبت عن الشيء¼ تركته وتزهّدت فيه, و½رغبت فيه¼ إذا أحببتَه, و½عذوبة¼ حلاوة, ويقال: ½أورد عليه الخبر¼ أي: قصّه عليه, و½يسعف بمراده¼ أي: يعطى مراده, مِن قولك: ½أسعفتُ الرجل بحاجته¼ إذا قضيتَها له, يعني: أنه لقوّة كلامه وصلابته لا يتعرّض أحدٌ لجِداله, فهو يخادع به الناس حتّى لا يعترَض له فيما يقول ولحلاوة كلامه وملاحة بيانه يقضى حوائجه, وقيل: معنى ½فلان شديد المعارضة¼ إذا أفحَش وأسمع المكروه. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132