وأسْتَسْقي الوَبْلَ والطّلّ, وأتعلّلُ بعَسى ولَعلّ, فلمّا حلَلْتُ حُلْوانَ [1], وقدْ بلَوْتُ الإخْوانَ, وسَبَرْتُ الأوْزانَ, وخبَرْتُ ما شانَ وَزانَ, ألفَيْتُ بها [2] أبا زيْدٍ السَّروجيَّ يتقلّبُ في قوالِيبِ الانتِسابِ, ويخْبِطُ في أساليبِ الاكتِسابِ, فيدّعي تارَةً أنّهُ من آلِ ساسانَ [3], ويعْتَزي مرّةً إلى أقْيالِ غسّانَ, ويبْرُزُ طَوراً في شِعارِ الشُّعَراء [4], ويَلبَسُ حيناً كِبَرَ الكُبَراءِ,
[1] قوله: [فلمّا حلَلْتُ حُلْوانَ...إلخ] ½حللتُ الموضع¼ أي: نزلته, و½حلوان¼ اسم مدينة معروفة بالعراق, وهي اليوم بغرب إيران قريباً من "كرمانشاه" وهناك بلد اسمه يحاكي اسم "الحلوان" ولكن هو بكسر الحاء المهملة "حِلوان", و½بلوتُ¼ اختبرتُ, و½الإخوان¼ الأصحاب, و½سبرت¼ فتّشت, و½الأوزان¼ أقدار الناس, وأراد بقوله: ½سبرت الأوزان¼ أي: عرفتُ مقاديرَ الأشياء والأشخاص, و½خبرت¼ علمت, و½شان¼ يشينه شيناً أي: عابه, و½زان¼ زيّن, يريد أنه دخل مدينة حلوان وهو مجرِّب عارف بأقدار الناس ويعلم ما يعيب الإنسان من الأخلاق والأحوال وما يزينه. (مغاني, الشريشي بزيادة)
[2] قوله: [ألفَيْتُ بها...إلخ] ½ألفيت¼ وجدت, وفي التنزيل: ﴿وَأَلۡفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا ٱلۡبَابِۚ﴾ [يوسف:٢٥], و½يتقلّب¼ أي: يتردّد, قال الله تعالى: ﴿تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ﴾ [المؤمن:٤], أي: خروجهم من بلدٍ إلى بلد, و½قواليب¼ جمع قالب -بفتح اللام وكسرها- وهو ما يُصبُّ فيه الشيء ليَجِيءَ بمقداره, ولا وجه للياء في الجمع وإنما زيدت على إشباع الكسرة ليزاوج ½أساليب¼ في القرينة الثانية, وهم يفعلون أمثال هذا كثيراً, و½الانتساب¼ مِن ½نسب الشيء¼ إذا عزاه, و½يخبط¼ يمشي على غير هداية, و½أساليب¼ الطُرُق واحدها ½أسلوب¼, و½الاكتساب¼ طلب الرزق وتحصيل المال على العموم. (مغاني, الشريشي)
[3] قوله: [من آلِ ساسانَ...إلخ] ½آل ساسان¼ مُلوك الفُرْس, و½يعتزي¼ ينتسب, و½أقيال¼ جمع ½قَيل¼ وهو المَلِك من مُلوك حِميَر, وقد يُستَعمَل في غيرهم, وسمي الملِك قَيلاً؛ لأنه إذا قال قولاً نفذ قوله, و½غسّان¼ قبيلة بـ"اليمن" كان منها مُلوك, و½غسّان¼ ماءٌ كان شِرباً لولد مازن بن الأزد بن الغَوث فسُمُّوا به, يريد أنه لقي أبا زيد بحلوان يتنوّع بذلك في أحوال المُكْدِين ويجري بذلك في طُرق اكتساب المَعيشة فكان يتمسكن تارةً ويدّعي أنه من آل ساسان, ويتعاظَم أخرى فينتسب إلى غسّان. (مغاني, الشريشي)
[4] قوله: [يبْرُزُ طَوراً في شِعارِ الشّعَراء...إلخ] ½يبرز¼ يخرج ويظهر, و½طوراً¼ أي: تارةً, و½الشعار¼ العلامات, واللباس الذي يلي الجسد, و½كبر¼ تكبر, يقال: ½فلان لبس الكبر¼ أي: تكبّر وتظاهر بالكبر, والمعنى: يبرز مرّةً في أحلاس الشعراء المُكْدِين, ويظهر ثانية في ثياب فاخرةٍ لباس الكبراء المُثرِين, يعني أنّ السروجي كان يكتسب على طريقة الفقراء والشعراء, وينتسب إلى الأمراء والكبراء. (مغاني, الشريشي)