البِصْرِيّ, وما قصَدْتُ بالإحْماضِ فيهِ [1] إلا تنْشيطَ قارِئِيهِ, وتكْثيرَ سَوادِ طالِبيهِ, ولمْ أُودِعْهُ منَ الأشْعارِ الأجْنبيّةِ [2] إلا بيْتَينِ فذّينِ أسّسْتُ علَيْهِما بِنْيَةَ المَقامَة الحُلْوانيّةِ, وآخَرَينِ توأمَينِ ضمّنْتُهُما خَواتِمَ المَقامَةِ الكرَجيّةِ, وما عدا ذلِك فخاطِري أبو عُذْرِهِ [3], ومُقْتَضِبُ حُلْوِهِ ومُرِّهِ,
[1] قوله: [وما قصَدْتُ بالإحْماضِ فيهِ...إلخ] ½الإحماض¼ الانتقال من الشيء إلى شيء, أراد به تنقّله في "المقامات" من حكاية فائقة إلى قضية رائقة, ومِن موعظة تبكي إلى ملهية تُسلِّي, وفي ذلك تنشيط وترغيب في قراءتها, ونفيٌ للملل والكسل عن قارئها, وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال لقوم قعدوا لديه: ½أَحمِضوا¼ أي: أفيضوا ما يؤنسكم من الكلام والأخبار والاستعارة والأشعار, وإنما أمَرهم بذلك خوفاً عليهم من الملال, و½السواد¼ العدد الكثير, ومنه الحديث عن أنس بن مالك يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ أُمّتي لا تجتمع على ضلالة, فإذا رأَيتم اختلافاً فعليكم بالسَّواد الأعظَم)), و½السواد¼ الشخص, ويسمَّى الشخص سواداً لأنه يسوّد الأرض بظلّه. (الشريشي, مغاني)
[2] قوله: [ولمْ أُودِعْهُ منَ الأشْعارِ الأجْنبيّةِ...إلخ] ½لم أودِعه¼ لم أضَمّنه, و½الأجنبية¼ التي ليست من شِعْره, و½الأجنبيّ¼ من ليس بينك وبينه قرابة, مِن الجنابة وهي البُعد, و½فذَّين¼ منفردين, هذا من شعر وهذا من آخر, و½الفذ¼ الفرد, و½أسّس البناء¼ تأسيساً, إذا ابتدأ في أصل بنائه, قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقۡوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٍ ﴾ [التوبة:١٠٩], والأساس أصل الحائط, و½البنية¼ الفطرة, وهو استعارة الإنشاء والتأليف, و½الحُلوانية¼ منسوبة إلى "حُلوان" وهي المقامة الثانية, وجعل البيتَين المشار إليهما أساساً؛ لأنّ مبنى القصّة على حديث الإنشاد وما يتضمنان من الإبداع في التشبيه, و½التوأمان¼ ولدان يلدان معاً, سميا بذلك لاتحادهما وزناً ورزياً, ولأنهما لقائل واحدٍ كأنهما ولدا من بطن واحدٍ, ولا كذلك الحلوانيان؛ لأنهما مفترقان, و½الكَرَجِيَّة¼ منسوبة إلى "الكَرَج", فهي الخامس والعشرون من المقامات. (المطرزي, الشريشي)
[3] قوله: [وما عدا ذلِك فخاطِري أبو عُذْرِهِ...إلخ] ½ما عدا ذلك¼ أي: ما جاوز, قال الأزهري: ومن حروف الاستثناء, قولهم: ما رأيت أحداً ما عدا زيداً, كما تقول: ½ما خلا زيداً¼ تنصب ½زيداً¼ في هذين, فإذا أخرجتَ ½ما¼ جاز وجهان: النصب والخفض, تقول: ما رأيت أحداً عدا زيداً وزيدٍ, فالنصب بمعنى ½إلاّ¼ والخفض بمعنى ½سِوا¼, و½الخاطر¼ اسم لما يتحرّك في القلب من رأي أو معنى, ثم سمّي محلّه باسم ذلك, وهو من الصفات الغالبة, ومنه يقال: ½خطر ببالي أمر¼, وأصل تركيبه يدلّ على الاضطراب والحركة, ويقال: ½هو أبو عذر هذا الكلام¼ لأول من اقتضبه, أي أول صانع له, و½الأب¼ هنا بمعنى الصاحب, فإنّ العرب تسمّى صاحبَ الشيء أباً. ½المقتضب¼ المرتجل, وهو المتكلّم بالشيء من غير إعدادٍ له, وأصله المقتطع, ومنه الاقتضاب في اصطلاح الشعراء, وهو أن يقطع الشاعر الغزل ويشرع في المدح بلا ربط بينهما, كما هو مذهب القدماء, و½حُلوه ومُرّه¼ جيّده ورديئه وسهله وصعبه. (مغاني, المطرّزي بزيادة)