الكِناياتِ, ورَصّعْتُهُ فيها من الأمْثالِ العربيّةِ [1], واللّطائِفِ الأدبيّةِ, والأحاجيّ النّحْويّةِ, والفَتاوَى اللّغويّةِ [2], والرّسائِلِ المُبتَكَرةِ, والخُطَبِ المُحَبّرةِ, والمواعِظِ المُبْكِيةِ, والأضاحيكِ المُلْهِيَةِ, ممّا أمْلَيْتُ جميعَهُ [3] على لِسانِ أبي زيْدٍ السَّرُوجيّ, وأسْنَدْتُ رِوايتَهُ إلى الحارِثِ بنِ هَمّامٍ
[1] قوله: [ورَصّعْتُهُ فيها من الأمْثالِ العربيّةِ...إلخ] أي: ركّبته ونظمته, وألصقتُ بعضه ببعض, و½تاج مرصَّع¼ مزيّن بخرز وجوهر ينظم فيه, و½اللطائف¼ الرقائق, والكلمة اللطيفة, أي الرقيقة المعنى التي تَحُلّ في القلب فتلطّفه, و½الأحاجيّ¼ وهي المسائل المعمّاة والأغلوطة التي تُختبَر بها الفِطنةُ ويُمتحَن الحِجَى وهو العقل, واحدها ½أُحْجِيّة¼, وهي ضرب مِن الألغاز, يقال: ½حاجيته¼ إذا قلت له: أخرِج ما في يدي, أي: قل لي أيَّ شيء فيها ولك كذا وكذا, فإن أعجزته فقد حجوتَه وإن أصاب ما حاجيتَه به فقد احتجا, وأصلها كتم الشيء والظنّ به. (مغاني, الشريشي)
[2] قوله: [الفتاوى اللغوية...إلخ] ½الفتاوى¼ -بفتح الواو وكسرها- جمع فتوى, وهي بيان حكم الشيء المسئول عنه عند السؤال, وكذا الفُتْيا, وأراد بها المسائل المائة التي في المقامة الثانية والثلاثين, و½المبتكرة¼ التي لم تسبق إليها, وبِكْر كلّ شيء أوّله, وفي الحديث: ((بكّر وابتكر)) يعني إلى الصلاة, فأتاها في أول وقتها, و½ابتكر¼ أدرك الخطبة من أوّلها, فمعناه: الرسائل المخترعة, و½الخطبة¼ معروفة مأخوذة من ½الخَطْب¼ وهو الأمر العظيم؛ لأنهم لا يَخْطُبون إلاّ في أمر عظيم, و½المحبّرة¼ المحسّنة والمزيّنة, وأصلها من ½الحِبَر¼ وهي ثياب تُصنَع بـ"اليمن" فيها رقوم وتزيين و½الأضاحيك¼ جمع أُضْحُوكَة, وهي مما يُضحَك بها, و½الملهية¼ الشاغلة. (الشريشي, الرازي)
[3] قوله: [ممّا أمْلَيْتُ جميعَهُ...إلخ] أي: ألقيت, و½أمليت على الصبي¼ ألقيت عليه ما يُكتب, و"سروج" بلد بـ"الشام" على مرحلة من الفراة, وهو الآن يقع في "تركيا", يقال: ½أسندت الحديث¼ أي: رفعته إلى قائله, فإن قيل: لأيِّ معنى اختار الحريريّ ½حارثاً¼ و½همّاماً¼ و½أبا زيد¼ دون غيرهم مِن الأسما؟ فالجواب: أنه إنما قصدهم؛ لأنّ "الحارث" و"الهمام" من أصدق الأسماء كما في الحديث, عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَسمُّوا بأسماء الأنبياء, وأحبُّ الأسماء إلى الله تعالى عبدُ الله وعبد الرحمن, وأصدَقُها حارث وهَمّام, وأقبحُها حَرْب ومُرّة)). لأنّ ما مِن أحد إلاّ وهو يحرث, إمّا لآخرته وإما لدنياه, يقال: ½أحرث¼ أعمل, وحرث المال واحترثه, أي: اكتسبه, و½الحارث¼ الكاسب, و½الحرث¼ التفتيش, وقال ابن مسعود: ½احرُثوا هذا القرآن¼ أي: فتّشوه وتدبّروه, وما مِن أحد إلاّ وهو يهمّ, إمّا بأمر دينه وإما بأمر دنياه, فكلّ إنسان حارث بن همام, وهمام بن حارث, وأما "أبو زيد", فإنْ صدَق أنه إنسان بعينه وقع الاكتفاء به, وإن لم يصدق فقد حكى أهل اللغة: أنه كنية الكبَر, وقال ابن الأعرابي: يقال للشيخ الكبير ½أبو زيد¼ و½أبو سعيد¼, و½السروجي¼ في الغالب إنما يصفه بالكبر والهرم, فوقعت التسمية لغويّةً, قلت: أسند الحريري مقاماته إلى نفسه وسمّى نفسه "حارثاً" وسمّى والدَه "هماماً"؛ لأنه يصفه بأشياء لا تليق إلاّ بالدهر, وفي الخمسين له كلام لا يليق إلاّ بالدهر, فجعل أخذَ الحارث من أبي زيد كنايةً عن علم الحريريّ بما جرّب من صروف الدهر. (مغاني, الشريشي)