وفطِنَ لِما بَطَنَ مِنِ استِنْكارِهِمْ, وحاذَرَ أنْ يفْرُطَ إليْهِ ذمّ [1], أو يَلْحَقَهُ وصْمٌ, فقرأ: ﴿إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ﴾ [الحجرٰت:١٢], ثم قال: يا رُواةَ القَريضِ [2], وأُساةَ القوْلِ المَريضِ, إنّ خُلاصَةَ الجوهَرِ تظهَرُ بالسّبْكِ, ويدَ الحقّ تصْدَعُ رِداءَ الشّكّ, وقدْ قيلَ فيما غبَرَ منَ الزّمانِ [3]: عندَ الامتِحانِ, يُكرَمُ الرّجُلُ أو يُهانُ, وها أنا قدْ عرّضْتُ خبيئَتي للاخْتِبارِ [4],وعرَضْتُ حَقيبَتي على الاعْتِبارِ,
[1] قوله: [حاذَرَ أنْ يفْرُطَ إليْهِ ذمّ...إلخ] ½حاذر¼ خاف, و½يفرط¼ يسبق ويتقدّم, ومنه الفرَط بالتحريك لكلّ متقدّم. ½ذمّ¼ ذكره بقبيح, و½الوصم¼ العار والعيب, ½بعض الظن إثم¼ هو أنْ يظنّ السوء بأهل الخير وبمن لا يعلم منه فسق, يقول: خاف منهم أن يذكروه بذكر قبيح ويلحقه العار والعيب, فقرأ عليهم: ﴿إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ﴾. (الرازي, الجوهرية)
[2] قوله: [ثم قال: يا رُواةَ القَريضِ...إلخ] ½قال¼ أي: أبو زيد, و½رواة¼ جمع راو, و½القريض¼ الشعر, وهو عند أهل اللغة: الشعر الذي ليس برجز, مشتق من ½القَرض¼ وهو القطع والتفرقة بين الأشياء, كأنه ترك الرجز وقطعه من شعره, والنظمُ أعمٌّ يعمّها, و½أُساة¼ جمع آس, مأخوذ مِن ½أسوت الجرح¼ إذا داويته, يعني العارفين لعِلَل الشعر, ½القول المريض¼ الضعيف من قِبل راويه, و½خلاصة الجوهر¼ ما خلص منه, وفي نسخة: ½خلاصة الذهب¼, و½جواهر الأرض¼ مثل الحديد والنحاس وغيرهما, و½السَّبْك¼ الاختبار بالنار, فإذا عُرِض الجوهرُ على النّار فما كان منه خالصاً زاد صفاءً وجودة, وما لم يكن خالصاً فضحته النارُ وأظهرت عيبَه, و½تصدع¼ تشق وتكشف, يقول: يا أصحاب العلم بصحيح الكلام وفاسده! إنّ حقيقة الأمر تظهر بالاختبار, وإنّ الحقّ يكشف عن الشك ويزيل لَبْسه. (الشريشي, الجوهرية بزيادة)
[3] قوله: [غبَرَ منَ الزّمانِ...إلخ] ½غبر¼ مضى, ويستعمل كثيراً بمعنى ½بقي¼ وهو من الأضداد, و½مِن¼ بيانية, و½عند¼ لفظ موضوع للقرب, تارةً يستعمل في المكان وتارةً في الاعتقاد, تقول: ½عندي كذا¼ أي: اعتقادي كذا, و½عند¼ للحاضر والغائب, و½لدى¼ لا يكون إلاّ للحاضر, تقول: ½عندي مال¼ وإن كان غائباً, ولا تقول: ½لدي مال¼ والمالُ غائب, و½الامتحان¼ الاختبار والبحث, وهذا المثَل من أمثال الفُرْس, ولهذا أبعد مدّته حيث قال: ½غبر من الزمان¼ و½يهان¼ يُخزى ويُذلّ, يقول: قيل في الزمن الماضي: إنّ الرجُل يكرم عند الامتحان إن كانت فيه المحامد, أو يخزى إن كانت فيه المعائب والنقائص. (الشريشي, المصباحي)
[4] قوله: [عرّضْتُ خبيئَتي للاخْتِبارِ...إلخ] ½عرَضت الشيء على البيع¼ وعرّضته للبيع, إن أتيتَ بـ½على¼ خفّفت الراءَ, وإن أتيتَ بـ½اللام¼ شدّدتَها, ½خبيئتي¼ مكتومي, وما خبأتُه من علمي, و½الحقيبة¼ وعاءٌ يجعله الراكب خلفه, والاعتبار والاختبار واحدٌ. يقول: اختبروني كي يتبيّن صدقي عن كذبي. (الشريشي, المصباحي)