حتى لاحُوا [1] كأسْنانِ المُشْطِ في الاستِواء, وكالنّفْسِ الواحِدَةِ في التِئامِ الأهْواء, وكُنّا مع ذلِك نسيرُ النّجاء [2], ولا نرْحَلُ إلاّ كُلّ هَوْجاء, وإذا نزَلْنا منزِلاً, أو وَردْنا مَنْهَلاً [3], اخْتلَسْنا اللُّبْثَ, ولمْ نُطِلِ المُكْثَ, فعنّ لَنا إعْمالُ الرِّكابِ [4], في ليلةٍ فَتيّةِ الشّبابِ, غُدافيّةِ الإهابِ, فأسرَيْنا إلى أن نَضا اللّيلُ شَبابَهُ [5], وسلَتَ الصّبحُ خِضابَهُ,
[1] قوله: [حتى لاحُوا إلخ] ½لاحوا¼ أي: ظهروا, و½المشط¼ آلة يمشط بها الشعر, والعرب تضرب المثَل بـ½أسنان المُشط¼, وهو يقع على كلّ استواء في أيّ حال كان, قال النبي صلى الله عليه وسلّم: ((الناس مستوُون كأسنان المشط, ليس لأحد على أحد فضل إلاّ بتقوى الله عز وجل)). فإن أرادوا الاستواء في الشرّ قالوا: ½سواسية كأسنان الحمار¼, و½التئام¼ اجتماع واتّفاق, و½الأهواء¼ جمع هوى, وهو ما تحبّه وتميل إليه النفس, يعني: أنهم تساوُون في ترك الشقاق والاتفاق على الوفاق وأنّ أغراضهم متّفقة فجميعهم بمنزلة نفس واحدة. (الشريشي, الجوهرية)
[2] قوله: [نسيرُ النّجاء...إلخ] ½نسير النجاء¼ منصوب على المصدر, من باب قعد جلوساً؛ لأنّ النجاء نوع من السير, ½النجاء¼ الإسراع في السير, و½رحل البعير¼ شدّ عليه الرحل, و½الهوجاء¼ الناقة السريعة, شبهت بالريح الهوجاء وهي التي تحمل البيوت لشدّتها من الهوَج, يقول: كنا مع ذلك التوافق والاتحاد المذكور نسير بالسرعة ولا نشدّ رحالنا إلاّ على كلّ ناقة سريعة في المشي. (مغاني, المطرّزي بزيادة)
[3] قوله: [وَردْنا مَنْهَلاً...إلخ] أي: أتينا ما ينزل عليه, و½النهل¼ الشرب الأول, و½العلل¼ الثاني, وذلك أنّ الإبل تَرِد الماء فتشرب منه ثم تخرج ترعى ساعة وتستريح, وتسمّى تلك الاستراحة في الرَّعي ½التمرئة¼ ثمّ ترد مرّة أخرى فتشرب الماء, فالشرب الأول نهل والثاني عَلَل, و½المنهل¼ موضع النهل, و½الورود¼ قصد الماء, ½اختلسنا¼ استرقنا, و½اللبث¼ الإقامة, ومثله ½المُكث¼ أي: لا يستقرّون بموضع ينزلون فيه إلاّ قليلاً. (الشريشي)
[4] قوله: [فعنّ لَنا إعْمالُ الرِّكابِ...إلخ] ½عنّ لنا¼ أي: ظهر, ½الركاب¼ الإبل, و½إعمالها¼ استعمالها, و½ليلة فتية الشباب¼ أي: شديدة السواد والظلمة, و½الفتية¼ المرأة الشابة, لأنّ شعر الشباب أسود, و½غدافية¼ منسوبة إلى ½الغُداف¼ وهو غراب القيظ الضخم الوافر الجناحين, وهو الشديد السواد, و½الإهاب¼ الجلد, وأراد لونها, يقول: ظهر لنا في سفرنا استعمال الإبل في ليلة طويلة سوداء لا قمر فيها وهو أول الشهر. (مغاني, الشريشي بزيادة)
[5] قوله: [نَضا اللّيلُ شَبابَهُ...إلخ] ½أسرينا¼ أي: سرينا ليلاً, و½نضى ثوبه¼ أي: خلعه وألقاه عنه, ½نضى الليل شبابه¼ أي: خلع سواده وأزال ظلامه, و½سلت الصبح خضابه¼ أي: كشف اللثام ولفظ الظلام, ومعناه أنه أسفر وأضاء, مستعار من سلتت المرأة, وهي أن تمسح خضابها عن يدها, وقد رشح الاستعارة حيث عبّر عن الظلام بالخضاب. (مغاني, المطرّزي)