لمعاملات التجارية أيضًا، ولم يكن يقوم بمراعاة القوانين الشريعة في التجارة بنفسه فحسب بل كان ينصح بذلك مَن يعمل معه أيضًا، كما كان حفص بن عَبْد الرَّحْمَن شريك سيدنا أَبِي حنيفة رحمها الله تعالى، وَكَانَ الإمام أَبُو حنيفة رحمه الله تعالى يجهّز عَلَيْهِ، فبعث إِلَيْهِ في رفقةٍ بمتاع، وأعلمه أنَّ في ثوب كذا وكذا عيبًا، فَإِذَا بِعْتَهُ فبَيِّنْ، فباع حفص بن عَبْد الرَّحْمَن رحمه الله تعالى المتاعَ ونسي أنْ يبيّن، ولم يعلم ممّنْ باعه، فَلَمَّا عَلِمَ الإمام أَبُو حنيفة رحمه الله تعالى تصدّق بثمن المتاع كلّه[1].
أيها الأحبَّة الكرام! قد لاحظتم أن شريكَ الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى التجاري باع سلعة معيبة ونسي بيان العيب الذي فيها، فعندما علم الإمامُ رحمه الله تعالى ذلك لم يَقتنِ الثمنَ بل تصدّق بجميعه على الفقراء، لكن مع الأسف الشديد! في عصرنا يتمّ بيع البضائع المعيبة بأداء اليمين الكاذبة دون بيان العيب مع العلم بعيبها أي عن عمد ولا عن نسيان، نحن قد وصلنا إلى انحطاطٍ أخلاقيٍّ بهذه الدرجة أن لو نجح ولدنا في بيع السلعة بأكثر مِن قيمتها بطريقةٍ خادعةٍ أو بكذبٍ فإنّنا نعتبره إنجازًا عظيمًا ونهنّئه عليه ونربت على ظهره ونحمّده ونشجّعه ونقول مثل هذه الجمل: "يا بني! الآن تعلمتَ إدارة العمل وأصبحت متبصّرًا حكيمًا" وما إلى ذلك.