تبلّجُ بدْرُ النّثْرِ, فسرَتْ حُمَيّا المسَرّةِ فيهِمْ [1], وطارَتِ السِّنَةُ عنْ مآقِيهِمْ, ورَفَضوا الدَّعَةَ التي كانوا نَوَوْها [2], وثابُوا إلى نشْرِ الفُكاهَةِ بعْدَما طوَوْها, وأبو زيْدٍ مُكِبٌّ على إعْمالِ يدَيْهِ [3], حتى إذا استَرْفَعَ ما لدَيْهِ, قلتُ لهُ: أطْرِفْنا بغَريبَةٍ منْ غَرائِبِ أسْمارِكَ [4], أو عَجيبَةٍ منْ عَجائِبِ أسفارِكَ, فقال: لقدْ بلَوْتُ منَ العَجائِبِ [5] ما لمْ يرَهُ الرّاؤونَ, ولا رواهُ الرّاوُونَ, وإنّ منْ
[1] قوله: [فسرَتْ حُمَيّا المسَرّةِ فيهِمْ..إلخ] ½سرت¼ مشت, و½حميّا المسرّة¼ شدّة السرور, و½الحميّا¼ حدّة الخمر, وتسمّى الخمر الحميّا, وحُمَيّا من كلّ شيء شدّته, و½السِّنَة¼ أخفّ من النوم, وقيل: النعاس, وهو أوّل النوم, قال الله تعالى: ﴿لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَوۡمٞۚ﴾, ½مآقيهم¼ عيونهم, و½المأق¼ طرف العين من جهة الأنف, يقول: بعد أن بشّرتُهم بما تقدّم جرى فيهم تيّار المسرّة والفرح وزال النوم عن عيونهم. (الشريشي, المصباحي)
[2] قوله: [رَفَضوا الدَّعَةَ التي كانوا نَوَوْها...إلخ] ½رفضوا¼ تركوا, و½الدعة¼ الراحة, و½نووها¼ أي: عزموا على الاشتغال بها وقصدوها, و½ثابوا¼ أي: رجعوا, و½الفكاهة¼ المزاح, و½طووها¼ من قولك: ½طوى الثوب¼ أي: لفّه, و½طوى الحديث¼ أي: كتمه, يقول: تركوا الراحة التي عزموا على الاشتغال بها, ورجعوا إلى المزح بعد ما تركوه. (مغاني, الشريشي)
[3] قوله: [مُكِبٌّ على إعْمالِ يدَيْهِ...إلخ] ½مكب¼ أي: مائل الرأس, ½إعمال يديه¼ استعمالها بالأكل, يعني: ملازم للأكل بيديه من شدّة حرصه على الطعام, يقال: ½أكبّ الرجل على عمل يعمله¼ إذا ألزمه, و½أكب فلان على فلان¼ إذا طالبه مطالبة شديدة, و½حتى إذا استَرْفَعَ ما لدَيْهِ¼ يعني: حتّى شبع فطلب أن ترفع المائدة التي بين يديه, يقال: استرفع الخوان كأنه سأل الرفع لما نفد ما كان عليه, ويروى: ½استفرغ¼ أي: أتمّ. (مغاني, الشريشي)
[4] قوله: [أطْرِفْنا بغَريبَةٍ منْ غَرائِبِ أسْمارِكَ...إلخ] ½أطرفنا¼ أي: حدثنا بطُرفَة, وهي الحديث المستملَح, والطرفة عند العرب: الشيء المحدَث الذي لم يكن عُرف, وجاء فلان بطرفة وشيء طريف, وهو مشتقّ من الطريف والطارف وهما المال المستحدَث الذي جمعه الرجل واكتسبه, و½التالد¼ ما ورثه عن الآباء, و½أسمارك¼ جمع سمر وهو الحديث بالليل, و½أسفار¼ جمع سفر, فإنّ السفر مرآة الأعاجيب, ويسمّى السفر بذلك؛ لأنه يسفر عن أخلاق الشخص. (الشريشي, الجوهرية)
[5] قوله: [لقدْ بلَوْتُ منَ العَجائِبِ...إلخ] ½بلوت¼ أي: جرّبت واختبرت, و½بلاه¼ جرّبَه, و½العجائب¼ جمع
عجيب, وقوله: ½من العجائب¼ بيان لـ½ما¼ التي هي معمول ½بلوت¼ وقدّمه رعايةً للسجع, و½الراؤون¼ جمع ½راء¼ بالهمزة وهو فاعل الرؤية, أي: الناظرون إليه, و½الراوُون¼ جمع راو من الرواية, أي: حفظه الحافظون يقول: إني جرّبت العجائب التي لم يره أحد ولم يروه. (مغاني, الشريشي)