وعلى آلِه الهادينَ, وأصحابِه الذين شادوا الدّين, واجْعَلْنا لهَدْيِه وهَديهمْ متّبِعينَ, وانْفَعْنا بمحبّتِه ومحبّتِهِمْ أجْمَعينَ, إنّك على كُلّ شيء قديرٌ, وبالإجابةِ جَديرٌ, وبعْدُ [1] فإنّهُ قدْ جرَى ببَعْضِ أنْديَةِ الأدَبِ الذي ركدَتْ في هذا العصْرِ ريحُهُ, وخبَتْ مصابيحُهُ, ذِكْرُ المَقاماتِ [2] التي ابْتَدعَها
[1] قوله: [بعدُ...إلخ] مبني على الضمّ؛ لأنّ ما أضيف إليه محذوف منويّ, والتقدير: ½بعد الحمد والصلوة¼ ومن ههنا شرع الحريري في بيان سبب تأليف مقاماته, و½جرى¼ أي سارَ وانطلق, وفاعله قوله الآتي: ½ذكرُ المقامات¼, و½ببعض أندية الأدب¼ الباء بمعنى ½في¼ كما تقول: ½كنتُ بمكّة¼ أي في مكّة, و½أندية¼ جمع ½نديّ¼ وهو مجلس القوم, ومنه سمّيت ½دار الندوة¼ بمكّة, وهي دار بناها قُصَيّ؛ لأنهم كانوا يجتمعون فيها للمشورة, قال الله تعالى: ﴿تَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ﴾ [العنكبوت:٢٩] و½الأدب¼ معرفة الأخبار والأشعار, فـ½أندية الأدب¼ المجالس التي تنشر فيها العلوم الأدبيّة من الأخبار والأشعار, و½ركدت ريحُه¼ أي سكنت, ومعناه: ذهبت دولته, بطريق الكناية, ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾ [الأنفال:٤٦] و½العصر¼ الدهر, وأراد به هنا الوقت الحاضر, و½خَبَت النار¼ خَبواً وخُبُوّاً طَفِئَت, وفي التنزيل: ﴿كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا﴾ [بني إسرائيل: ٩٧], وأراد بخُبوّ النار موت علمائه. (الشريشي, الرازي)
[2] قوله: [ذكر المقامات...إلخ] فاعل ½جرى¼, و½المقامة¼ المجلس وموضع القيام, والجماعة من الناس, وقد تطلق المقامة ويراد بها أهل المقامة كما يقال لأهل المجلس: ½المجلس¼, قال المُهَلْهِل: نبِّئت أنّ النار بَعدَك أُوقِدَت* واسْتَبّ بَعدَك يا كُلَيب مجلس, أي: استَبّ أهلُ المجلس, قال الله تعالى: ﴿لَا مُقَامَ لَكُمۡ فَٱرۡجِعُواْ﴾ [الأحزاب:١٣], أي: لا موضع لكم, وإنما سُمّيت المقامة مقامة؛ لأنّ الرجل كان يقوم في المجلس فيحُضّ على الخير ويصلح بين الناس, ويقال: ½هو مقامة قومه¼ إذا كان يقوم فيتكلّم في الحضّ على المعروف, والمقام برفع الميم الإقامة كالمُدخَل بمعنى الإدخال والمُخرَج بمعنى الإخراج, قال الله تعالى: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٖ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٖ﴾ [الإسراء:٨٠], و½ابتدع الشيء¼ اخترعه أوّلاً على غير مثال, ومنه قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾ [البقرة:١١٧], أي: موجِدهم لا على مثال سبق, و"بديع الزمان" هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني, كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب، فمنها أنه كان ينشد القصيدة التي لَم يسمعها قطّ وهي أكثر مِن خمسين بيتاً فيحفظها كلّها ويؤديها مِن أولها إلى آخرها، لا يخرم حرفاً ولا يخل بمعنى, و½العلامة¼ عالِم جدًّا غزير العلم, والهاء للمبالغة, كأنهم يريدون به الغاية, و"همذان" بفتح الميم ونقط الذال, بلد بـ"خراسان". (مغاني, الشريشي)