عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

بَديعُ الزّمانِ وعلاّمَةُ همَذانَ, رحِمَهُ الله, وعَزا إلى أبي الفتْحِ [1] الإسكنْدَريّ نشْأتَها, وإلى عيسى بنِ هِشامٍ رِوايتَها, وكِلاهُما مجْهولٌ لا يُعرَفُ, ونَكِرةٌ لا تتَعرّفُ! فأشارَ مَنْ إشارتُه حُكْمٌ [2], وطاعَتُه غُنْمٌ, إلى أنْ أُنْشئَ [3] مَقاماتٍ أتْلو فيها تِلْوَ البَديعِ, وإنْ لمْ يُدْرِكِ الظّالِعُ [4] شأوَ الضّليعِ, فذاكَرتُه بما قيلَ فيمَنْ ألّفَ بينَ كَلِمتَينِ [5], ونظَم بيْتاً أو بيتَينِ,


 



[1] قوله: [عزا إلى أبي الفتْحِ...إلخ] أي نسب, ½عزى الحديث¼ يعزوه عزواً أي: أسنده إليه, و½عزاه إلى أبيه¼, إذا نسبه إليه, وعزّيته لغةً فاعتزى هو وتعزّى أي: انتمى وانتسب, و½الإسكندري¼ بكسر الهمزة وفتحها, منسوب إلى "إسكندرية", وهي مدينة عظيمة قريبة من "مصر", بناها الإسكندر ذو القرنين, ومنارتها إحدى عجائب الأرض, و½أبو الفتح¼ في البديعيّة بمنزلة أبي زيد في الحريرية, و½عيسى¼ بمنزلة الحارث, و½نشأتها¼ أي: ظهورها وبدوّها, و½أنشأ الشيء¼ أي: ابتدعه وابتدأه, قال الله تعالى: ﴿وَيُنشِئُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ﴾ [الرعد:١٢], أي: يبديها, وكلّ مَن ابتدأ شيئاً فقد أنشأه, و½روايتها¼ أي: إسناد أحاديثها, و½النكرة¼ ضدّ المعرفة, والنكرة التي لا تتعرّف من الحرف هي كلمة ½غير¼ و½مثل¼ لشدّة إبهامِهما, ومرادُه المبالغة في خفائهما وخمولهما. (مغاني, الرازي)

[2] قوله: [فأشارَ مَنْ إشارتُه حُكْمٌ...إلخ] أي: أمَرَ مَن أمرُه ممتثل مثل حكم الحاكم, يقال: هو شرف الدين أنوشروان بن خالد وزير الخليفة المسترشد بالله, أمرَ الحريريَّ بإنشاء المقامات, ويقال: بل أمرَه صاحب البصرة وواليها, و½غُنم¼ مصدر ½غَنِم¼ والاسم ½المغنم¼ و½الغنيمة¼, وقيل: ½الغنم¼ أيضاً اسم, و½غَنِم الشيء¼ فاز به وناله بلا بدل. (مغاني, الرازي)

[3] قوله: [إلى أنْ أنشِئ...إلخ] متعلِّق بـ½أشار¼, و½أنشئ¼ أي: أكتب من عندي, و½تلاه¼ تبعه, و½تلو الشيء¼ الذي يتلوه ويتبعه, و½أتلو فيها تِلو البديع¼ أي: أتبع تبعه وأقصد قصد مقاماته التي نلته وبقيت بعده, لأنّ المصدر من ½أتلو¼ إنّما هو ½التُلُوّ¼. (الرازي, المصباحي)

[4] قوله: [إنْ لمْ يُدْرِكِ الظّالِعُ...إلخ] شبيه بالأعرج, و½ظلع البعير¼ أي غمز في مشيه, يقولون: ½هو ظالع¼ أي: مائل عن الطريق القويم, و½الشأو¼ الغاية والأمد, وأيضاً السبق, و½الضليع¼ القوي, وهو من ½الضلاعة¼ وهي القوّة وشدّة الأضلاع, ثمّ استُعير لكل قويّ, ومنه حديث عمر رضي الله تعالى عنه لما صارع الجنيَّ قال له الجنيُّ: ½إني مِنهم لَضَلِيع¼, أَي إنّي منهم لعَظيم الخَلْقِ, ويقال: ½فرس ضليع الخلق¼ إذا كان تامَّ الخلق مُجفَر الجَنبَين غليظ الألواح كثير العصَب. (مغاني, المطرزي بزيادة)

[5] قوله: [فذاكَرتُه بما قيلَ فيمَنْ ألّفَ بينَ كَلِمتَينِ...إلخ] أي: فذكرت له ما قيل في شأن المؤلفين والشعراء, ووِزان ½فاعَل¼ قد يَرِد للفعل من طريق واحد كـ½سافر¼ وأخواته, وهو إشارة إلى ما قيل في المؤلفين والشعراء, ومنه ما قال أبو عمرو بن العلاء: الإنسان في فُسْحةٍ مِن عقله وفي سلامة من أفواه الناس ما لَم يضَع كتاباً أو يقل شعراً, وقال العَتّابي: مَن صنَع كتاباً فقد استشرف للمَدح والذمّ, فإنْ أحسَن فقد استهدف للحسَد والغِيبة, وإنْ أساء فقد تعرّض للشتم واستُقذِف بكل لسان, وقال الخطيب أبو بكر بن علي بن ثابت: مَن صنّف فقد جعَل عقلَه في طبَقٍ يَعرِضُه على النّاس. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132