عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

منْ صَحائِفِ الأدْيانِ, ودُعابَةُ الأقْرانِ آنَسُ لكَ منْ تِلاوَةِ القُرْآنِ! تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ [1], وتَحْمِي عنِ النُّكْرِ ولا تَتحاماهُ! وتُزحزِحُ عنِ الظُلْمِ [2] ثمْ تغْشاهُ, وتخْشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ تخْشاهُ! ثمّ أنْشَدَ:

تـبـاً لطالِبِ دُنْـيـا

 

ثَنى إلَيها انصِبابَهْ [3]

ما يسْتَفيقُ غَراماً

 

بها وفَرْطَ صَبابَهْ [4]


 

 



[1] قوله: [تأمُرُ بالعُرْفِ وتَنتَهِكُ حِماهُ...إلخ] ½العرف¼ و½المعروف¼ ما يحسن من الأفعال, تقول: ½انتهك حرمته¼ إذا لم يرعها وتناول بما لا يحل, و½الحِمى¼ الموضع المحمى الممنوع, وأصله: موضع العشب يحميه الرجل لإبله, و½النُّكر¼ و½المنكَر¼ ما يستقبح من الأفعال, والمعنى: تأمر بالخير ولا تتوالاه وتنهى عن الشرّ ولا تتوقاه, وتحمِي غيرك من إتيان المنكَر ولا تمتنع أنت منه. عن أسامة بن زيد قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! ما لك؟ أ لَم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكَر؟ فيقول: بلى! قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكَر وآتيه)). (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [وتُزحزِحُ عنِ الظُلْمِ...إلخ] ½تزحزح¼ تباعد, ½تزحزح عن الظُّلم¼ تُنَحِّي عنه غيرَك وتزيله, قال الله تعالى: ﴿فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ[آل عمران:١٨٥], و½تغشاه¼ تأتيه وتباشره, و½تخشى¼ تخاف, يقول: تُبعِّد وتُدفِع غيرَك عن الظلم وأنت تُباشِره وتخاف الناس والله أحقّ أن تخافه. قال الله تعالى: ﴿أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ[التوبة:١٣], وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يحقرنّ أحدُكم نفسه إذا رأى أمرَ الله فيه مقال أن يقول فيه, فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيه؟ فيقول: ربِّ! خَشِيتُ الناس, قال: فأنا أحق أن تخشى)). (مغاني, الشريشي)

([3]) قوله: [تباً لطالِبِ دُنْيا...إلخ] ½تبا¼ أي: هلاكاً وخُسراناً, و½تبّت يده¼ خسرت, قال الله تعالى: ﴿وَمَا زَادُوهُمۡ غَيۡرَ تَتۡبِيبٖ[هود:١٠١], أي: غير خسار وهلاك, قال ابن سِيدَه: ½تبا¼ نصب على الدعاء, وقيل: نصب على إضمار فعل, أي: ألزمه الله خسراناً, يقال: ½ثنى الشيء¼ ردّ بعضه على بعض, و½الانصباب¼ الانسكاب, ويراد به الميل, أي: مال أليها مرّةً بعد أخرى وصرف همّته إليها. (مغاني, الشريشي)

([4]) قوله: [ما يسْتَفيقُ غَراماً...إلخ] ½يستفيق¼ يستريح, ½استفاق من غشيته¼ و½أفاق¼ إذا رجع إليه عقله وزالت غشيته, قال الأزهري: كلُّ مَغْشيٍّ عليه أو سَكران أو مَعتُوهٍ إذا انجلى ذلك عنه قيل: أفاق واستفاق, و½الغَرام¼ شدّة حبّ لازم له غير مفارق, ومنه سمّي ½الغريم¼؛ لملازمته التقاضي وإلحاحه فيه, وقيل: البلاء وما لا يستطاع أن يتخلّص منه والعذاب اللازم, قال الله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا[الفرقان:٦٥], أي: مُلِحًّا دائماً لازماً غير مفارق مَن عُذب به مِن الكفار, وانتصاب ½الغرام¼ في البيت على كونه مفعولاً له, و½الفرط¼ الاسم من الإفراط وهو مجاوزة الحدّ, و½الصَّبابة¼ رقّة الشوق, وقيل: الهوى والمحبّة, أي: شدة شوق ومجاوزة حدّ في ذلك. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132