وقال: اصْرِفْ هَذا في نفقَتِكَ, أو فرّقْهُ على رُفْقَتِكَ, فقبِلَهُ منهُم مُغضِياً [1], وانْثَنى عنْهُم مُثْنِياً, وجعَلَ يودِّعُ مَنْ يُشيّعُهُ [2], ليَخْفَى علَيْهِ مَهْيَعُهُ, ويُسرّبُ منْ يتْبَعُهُ, لكَيْ يُجْهَلَ مرْبَعُهُ, قال الحارِثُ بنُ هَمّامٍ: فاتّبعْتُهُ مُوارِياً عنْهُ عِياني [3], وقَفوْتُ إثرَهُ منْ حيثُ لا يَراني, حتّى انْتَهى إلى مَغارَةٍ [4],
[1] قوله: [فقبِلَهُ منهُم مُغضِياً...إلخ] ½أغضى عنه عينه¼ أي: أغمضها, و½انثنى عنهم¼ أي: رجع عنهم, و½مثنياً¼ أي: مادحاً, من ½أثنى عليه¼ حُذف صلته للتخفيف والتقفية, أي: قبِل عطاءَهم من غير أن ينظر إليهم نظرَ الحَريص عليه والفرحِ به بل يغمِض عليه احتقاراً له. (مغاني)
[2] قوله: [وجعَلَ يودِّعُ مَنْ يُشيّعُهُ...إلخ] ½جعل¼ أي: بدأ, وهو مِن أفعال الشروع, ويقال: ½ودّع المسافرُ الناسَ¼ أي: حيّاهم عند الرحيل, و½ودّع الناسُ المسافرَ¼ مشَوا معه محيّين له, ويقال: ½شيّعه¼ إذا خرج معه ليُودِّعه ويُؤْنسه إلى موضع, و½المهيع¼ الطريق الواسع الواضح, و½يسرّب من يتبعه¼ أي: يفرّقهم عنه في كلّ طريق, و½المَربع¼ المنزل في الربيع خاصة, وقد جاء ½المَربع¼ بمعنى ½الربع¼ وهو مطلق المنزل, وإن كان خلاف المشهور, يقول: بدأ ذلك الخطيب يُرجِع المودّعين لئلا يطّلعوا على طريقه الذي يذهب إلى بيته, ويفرّق الماشين خلفه ويُرسلهم جمعاً بعد جمع لئلاّ يُعرَف موطنه. (مغاني, المصباحي)
[3] قوله: [فاتّبعْتُهُ مُوارِياً عنْهُ عِياني...إلخ] ½مواريا¼ ساتراً ومُخْفِياً, تقول: ½وارى الشيء يواريه¼ أي: أخفاه, و½عياني¼ أي: منظري وشخصي, وأصل ½العيان¼ المعاينة, يقال: ½عاينتُ الشيءَ¼ معاينةً وعياناً إذا رأيته بعينيك, و½نظرته¼ و½راه¼ عِيانا إذا لم يشك في رؤيته إيّاه, و½قفوت إثرَه¼ أي: اتبعته, ومنه سمّيت قوافي الشعر؛ لأنّ بعضها يتبع بعضاً, أي: اتبعتُه مخفيا عنه منظري وشخصي حيث لا يراني. (مغاني, الرازي)
[4] قوله: [حتّى انْتَهى إلى مَغارَةٍ...إلخ] ½المغار¼ مثل الغار, وربما سمّوا مكانِس الظباء مغاراً, ويقال: كلّ شيء دخلتَ فيه فغبتَ فهو مغارة, و½انساب¼ أي: جرى وجرّ مسرعاً, يقال: ساب يسيب إذا مشا مسرعاً, و½سابت الحية¼ أي: مضت مسرعة, و½انساب في الشيء¼ دخل فيه بسُهولة وسرعة, و½الغرارة¼ الغفلة, يقول: حتّى وصل إلى الغار فدخل فيه مسرعاً غافلاً مِن أن أراه مِن ورائه. (مغاني)