عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ولـوْ دَرى لَـكـفَـاهُ

 

مما يَـرومُ صُـبابَـهْ [1]

ثمّ إنّهُ لبّدَ عَجاجَتَهُ, وغيّضَ مُجاجتَهُ [2], واعْتَضَدَ شَكْوَتَهُ وتأبّطَ هِراوَتَهُ [3], فلمّا رنَتِ الجَماعَةُ إلى تحفُّزِهِ [4], ورأتْ تأهُّبَهُ لمُزايَلَةِ مركَزِهِ, أدْخَلَ كلٌ منهُمْ يدَهُ في جيْبِهِ, فأفْعَمَ لهُ سَجْلاً منْ سَيْبِه,


 



[1] قوله: [ولوْ دَرى لَكفَاهُ...إلخ] ½درى¼ أي: عَلِم, وهو شرط والجزاء: ½لكفاه¼, و½يروم¼ يطلب, و½الصُبابة¼ البقية اليسيرة من الشراب في الإناء, وإذا شربها الرجُل قيل: تصاباها, والمراد هنا: الاكتفاء بالشيء القليل, والمعنى: لو علم الإنسان المغرور بالدنيا سوء محبّة الكثير منها لقنع بالقدر اليسير. وقد جاء في الحديث المسند: أنه عليه السلام قال: ((ما من أحد غَني ولا فقير إلاّ يَودّ يوم القيامة أنه كان أوتي في الدنيا قُوتاً)). (مغاني, الرازي)

[2] قوله: [لبّدَ عَجاجَتَهُ وغيّضَ مُجاجتَهُ] ½لبّد¼ أي: سكّن, يقال: ½لبّد الشيء بالأرض¼ أي: لصِق بها, و½لبّد الندا بالأرض¼ أي: سكّن غبارها, وكلّ شيء ألصقتَه فقد لبدتَه, و½العَجاجة¼ الغبار, و½غيض¼ أي: نقص وحبس, وغاضَ الماءُ يغِيض غَيضاً: أي: قلّ فنضب أو غار فذهب, قال الله تعالى: ﴿وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ[هود:٤٤], و½المجاجة¼ الريق الذي تمجّه من فيك, أي: ترميه, و½مجاجة الشيء¼ عُصارته, وهذه استعارة منبئة عن الهدوّ والسكون, فمعنى ½لبد عجاجته¼: سكن عن حركاته, ومعنى ½غيض مجاجته¼: سكّن عن كلماته؛ لأنّ المجاجة إنما يسقط من فم المتكلّم لا عن فم الساكت. وقال الشريشي: أراد بـ½لبّد عجاجته¼ قطع كلامه الذي كان قد استرسل, وأراد بـ½غيّض مُجاجته¼ ما كان يسيل من عينيه وأنفه عند البكاء. (مغاني, الشريشي)

[3] قوله: [واعْتَضَدَ شَكْوَتَهُ, وتأبّطَ هِراوَتَهُ] ½اعتضد الشيء¼ إذا وضعه على عضده, و½الشكوة¼ سِقاءٌ مِن جِلْد الرَّضِيْع, فإذا كان مِن جِلد الجَذَع فما فوقه سمّي وَطْباً, وقيل: وعاءٌ من أدم يبرد فيه الماء ويحبس فيه اللبن, و½تأبط الشيء¼ إذا جعله تحت إبطه, و½الهراوة¼ العصا الضخمة, ومنه سمّي الفرس القويّ ½هراوة¼ تشبيها بها. (مغاني, الرازي)

[4] قوله: [فلمّا رنَتِ الجَماعَةُ إلى تحفُّزِهِ...إلخ] ½رنا¼ أي: أدام النظر مع سكون الطرف, و½تحفّز¼ تأهّب للقيام وتعجّل, و½تحفز في جلوسه¼ أي: يريد القيام, و½مزايلة مركزه¼ أي: مفارقة موضعه, و½أفعم¼ أي: ملأ,

و½السَّجْل¼ الدلو الضخم إذا كان فيه ماءٌ قلّ أو كثر, ثم استعير للعطاء أو النصيب, و½السيب¼ المال, ومنه قيل للركاز: ½سيب¼؛ لأنه من عطاء الله تعالى, وقال عليه السلام: ((وفي السيوب الخمس)), فمعناه: لمّا رأت الجماعةُ استعداده للذهاب من موضع قيامه أدخل كلٌّ منهم يده في جيبه وأعطاه نصيباً وافراً من ماله وقال: أنفق على نفسك وفرّق على أصحابك. (مغاني, المطرزي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132