عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ولمْ يزَلْ يحَمْلِقُ إليّ [1] حتّى خِفْتُ أن يسطُوَ عليّ, فلمّا أن خبَتْ نارُهُ [2], وتَوارَى أُوارُهُ, أنْشَد:

لبِسْتُ الخَميـصةَ أبغي الخَبيصَهْ [3]

 

وأنْشَبْـتُ شِصّيَ في كل شِيـصَـه [4]

وصـيّــرتُ وعْــظــيَ أُحــبــولَــةً

 

أُريـغُ القَـنـيـصَ بـهـا والقَـنيصَـه [5]


 

 



[1] قوله: [لمْ يزَلْ يحَمْلِقُ إليّ...إلخ] أي: يفتح عينيه وينظر نظراً شديداً من الغيظ, و½يحملق¼ يحدّ النظر, و½الحملقة¼ نظر الغضبان, و½الحِمْلاق¼ باطن الجفن, يقال: ½حملق الرجل¼ إذا انقلب حِملاقُ عينيه –أي: باطن أجفانهما- من الفزَع والغضَب, و½يسطو عليّ¼ يصول ويتناولني بالمكروه, يقال: ½سطا عليه¼ و½سطا به¼ يسطو سَطْواً وسَطوةً, إذا قهره وأذلّه, والمعنى: لم يزل ينظر إليّ نظر عدوّ مُخِيف حتّى خفتُ أن يقهرني ويصيبني بالمكروه, وعن النبي صلى الله عليه وسلّم, أنه قال: ((من نظر إلى مسلم نظرة يُخِيفُه بها في غير حقّ أخافَه الله يوم القيامة)). (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [فلمّا أن خبَتْ نارُهُ...إلخ] أي: سكنت حدّة غيظه, ½خبت النارُ¼ أي: سكن لهبُها, ومنه قوله تعالى: ﴿مَّأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ كُلَّمَا خَبَتۡ زِدۡنَٰهُمۡ سَعِيرٗا[الإسراء:٩٧], و½توارى¼ تغطى واستتر, و½أُوارُه¼ لهبه ونار غيظه, و½الأوار¼ حرارة النار والشمس وحرارة العطش, يعني فلمّا سكنت حدّة غيظه جعل ينشد الأشعار. (مغاني, الشريشي)

[3] قوله: [لبِسْتُ الخَميصةَ...إلخ] ½الخميصة¼ كساء أسود مُربَّع له علمان, و½الخبيصة¼ نوع من الحلواء, يعني: لبست شعار الزهّاد والعُبّاد الأولياء الأتقياء من الأكسية والعَباء لأكتسب بالدين الدنيا وأجتري على ليث العَريْن وأجمع بين مَسارّ الشراب وملاذ الطعام من غير توقّف عن الحلال والحرام. (مغاني)

[4] قوله: [أنْشَبْتُ شِصّيَ...إلخ] يقال: ½نشب الشيء في الشيء¼ أي: عَلِق به, وأنشبه غيرُه, و½الشصّ¼ -بالكسر والفتح- حديدة معوجّة يصاد بها السمك, و½الشص¼ أيضاً اللصّ الذي لا يرى شيئاً إلاّ أخذه, وقيل: هو فارسي معرب, والمعنى: أصطاد بشبكتي ما يصاد بها وما لا يصاد, وذلك من كمال الحِذق وكثرة الاحتيال, وهذا كما يقال في الأمثال: ½هو يرقُم في الماء¼ يُضرَب للحاذق في صنعته, أي: مِن حِذْقه يرقُم حيث لا يثبت فيه الرقم. (مغاني)

[5] قوله: [وصيّرتُ وعْظيَ أُحبولَةً...إلخ] ½صيّرت¼ أي: جعلت, و½وعظي¼ و½أحبولة¼ مفعولاه, وجملة ½أريغ¼ صفة لـ½أحبولة¼, و½أحبولة¼ آلة يصاد بها, و½أريغ¼ أطلب ما يَصعُب أخذه, و½أَرَغْتَ الصيد¼ إذا طلبته بمكر وحيلة, و½القنيص¼ و½القنيصة¼ الذَكَر والأنثى ممّا يصاد من الوحش, و½الباء¼ في ½بها¼ للسببيّة أو للآلة, وهذا مثل, وإنما أراد ما يأخذه من الناس بالحِيَل, يقول: جعلتُ وعظي مثل حِبالة الصيد أطلب به كلّ شيء جيّداً أو رديئاً. (الشريشي, المصباحي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132