عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

فقال: هلْ عثَرْتَ لهُ [1] فيما لمحْتَهُ على بَديعٍ استَملَحْتَهُ؟ قال: نعمْ! [2] قولُه:

كـأنّـما يَـبْسِـمُ عـن لُـؤلُـؤٍ

 

منضّـدٍ أو بـرَدٍ أو أقـاحْ [3]

فإنّهُ أبدَعَ في التّشبيهِ المُودَعِ فيهِ [4], فقالَ لهُ: يا لَلعجَبِ [5], ولِضَيْعَةِ الأدبِ! لقدِ استَسْمَنْتَ


 



[1] قوله: [هلْ عثَرْتَ لهُ...إلخ] ½عثرت¼ اطلعت, و½اللمح¼ النظر, و½البديع¼ المحدَث العَجيب, والمراد: معنًى لم يسبق غيرُه إليه مِن تشبيه أو تجنيس وشبههما, و½أبدع الرجل¼ أتى ببديع مِن قول أو فعل, و½البِدْع¼ إحداث الشيء قبل أن يكون أولاً, و½أبدع الله الأشياءَ¼ خلَقها بلا مثال, ومنه قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ[البقرة:١١٧] أي: موجِدهم لا على مثال سبق, و½استملحته¼ وجدته مليحاً. (الشريشي)

[2] قوله: [قال: نعمْ!] هي حرفُ تَصدِيقِ مُخْبِرٍ بعد قول القائل: ½قام زيد¼, وإعلام مستخبر بعد قوله: ½أقام زيد؟¼ -كما هنا, أي: عثرتُ على بديع- ووعد طالب بعد قوله: ½افعَل¼ أو ½لا تفعل¼ وما في معناهما, نحو: ½هلا تفعل¼ و½هلا لَم تفعل¼, و½قوله¼ أي: هو قولُه؛ لأنّ ½عثرت¼ لا يتعدى بنفسه, ويمكن نصبه بتضمين ½عثر¼ ½وجَد¼, وهو خلاف الظاهر, أو هو نصب بفعل مقدّر وهو ½استمحلت قوله المذكور¼. (الجوهرية, و"الكليات" لأبي البقاء)

[3] قوله: [كأنّما يَبْسِمُ عن لُؤلُؤٍ...إلخ] ½يبسم¼ يبدي بعضَ أسنانه عند الضحك من غير صوت, وهو دون الضحك, و½لؤلؤ¼ جوهر, شبّه به الأسنان, و½منضّد¼ منظّم, وهو المتراصف المتصل بعضه ببعض, و½برد¼ ماء جامد ينزل من السحاب, يقال له: حب الغمام, قال الله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ[النور:٤٣], وشبّه الأسنان بها في البَياض والصَّفا, ولِبرد ما ينزل في فؤاد العاشق عند ترشف مائها مما يطفئ لهب الشوق ويشُبُّ نارَ الهوى, و½الأقاح¼ جمعُ الأُقْحُوان, وهو ½البابونج¼ نبت طيب الرائحة حواليه ورق أبيض ووسطه أصفر, ويجمع على أقاحيّ وأقاح. (الشريشي, الرازي, الجوهرية)

[4] قوله: [فإنّهُ أبدَعَ في التّشبيهِ...إلخ] ½فإنه¼ أي: البحتري, و½أبدع في التشبيه¼ أي: أتى فيه ببداعة, يقال: ½أبدع الشاعر¼ أي: جاء بالبديع في شِعره, و½المودَع¼ المضمّن, و½أودع الشيءَ¼ صيّره وديعةً, والضمير مِن قوله: ½المودع فيه¼ راجع إلى لفظ ½قوله¼ لا إلى ½التشبيه¼, وإلاّ لكان الشيء مودعاً في نفسه وهو باطل. (الجوهرية)

[5] قوله: [يا لَلعجَبِ...إلخ] اللام فيه للاستغاثة وهو يدخل على المنادى مفتوحاً في اللفظ جاراً في العمل, نحو: ½يا لَزيدٍ¼, و½يا لَلعجب¼ بفتح اللام على أنّ العجب مستغاث به, أي: احضُر فهذا وقتُك, وبكسرها على أنه مستغاث من أجله, أي: يا قوم! احضُروا لأجل العجب, واللام في قوله: ½ولضيعة الأدب¼ مكسورة؛ وهو حكم المعطوف على الاسم الداخل عليه لامُ الاستغاثة, وهو المستغاث به الثاني, وإنما كسرت لأنها لام الجرّ والأصل فيها الكسرُ والفتح لعارضٍ اللبس وقد زال. (مغاني, العكبري, الرازي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132