قال الحارثُ بنُ همّام: فلمّا وعَيتُ ما دارَ بينهُما [1], تُقْتُ إلى أن أعرِفَ عينَهُما, فلمّا لاحَ ابنُ ذُكاء [2], وألحَفَ الجوَّ الضّياءَ, غدَوْتُ قبلَ استِقلالِ الرّكابِ [3], ولا اغتِداءَ الغُرابِ, وجعلْتُ أستَقْري صوْبَ الصّوتِ اللّيْليّ [4], وأتوسّمُ الوُجوهَ بالنّظَرِالجَليّ,
[1] قوله: [فلمّا وعَيتُ ما دارَ بينهُما...إلخ] ½وعيت¼ أي: حفظت, تقول: وعى يعي وعياً, ومنه الوعاء, و½تقت¼ أي: اشتقت, تقول: تاق يتوق توقاً وتواقاتاً, و½عَيْنهما¼ أي: شخصهما ونفسهما, من إطلاق الجزء على الكلّ أو إطلاق حقيقي فهو بمعنى المعاين, و½عين الشيء¼ نفسه, يقول: فلمّا حفظت ما جرى بينهما من الكلام اشتقتُ إلى أن أعرف شخصهما. (مغاني بزيادة)
[2] قوله: [فلمّا لاحَ ابنُ ذُكاء..إلخ] ½لاح¼ ظهر, ½ذكاء¼ علم للشمس, لا يدخلها الألف واللام, ولا تُصرَف للعَلَمية والتأنيث, واشتقاقُها مِن ½ذكت النار¼ إذا اشتَعلَت, و½ابن ذكاء¼ هو الصبح, ويقال للصبح: ابن ذكاء؛ لأنه مِن ضوئها, و½ألحف¼ غطّى وألبس, ومنه اللحاف والملحفة, و½الجوّ¼ ما بين السماء والأرض, وفاعل ½ألحف¼ ابن ذكاء, و½ألحف¼ يتعدي إلى مفعولين كألبَس, فلذلك نصب الجوّ والضياء, والمعنى: أنّ الصبح جعل الضياءَ للجوّ كاللحاف حيث غطّى نواحي السماء بضوئه. (الشريشي, الرازي)
[3] قوله: [غدَوْتُ قبلَ استِقلالِ الرّكابِ...إلخ] ½استقلّ القوم¼ إذا مضوا وارتحلوا, و½الركاب¼ الإبل الخفاف, و½استقلال الركاب¼ مضيّها وارتحالها, و½الاغتداء¼ الغدوّ, تقول: غدا واغتدى إذا راح غدوة, و½الغراب¼ موصوف بالاغتداء والابتكار والصياح في الصباح والأسحار, وأراد أنّ اغتدائي كان قبل أن يغتديَ الغراب, وقوله: ½ولا اغتداء الغراب¼ أي: ولا مثل اغتدائه, فحذف ½مثل¼ المنصوبة بـ½لا¼ وأقام ½اغتداء¼ مقامها؛ لأنّ ½لا¼ لا تنصب المعارف, وقال الفنجديهي: الرفع في قوله: ½ولا اغتداء الغراب¼ أكثر مبالغةً في التشبيه من النصب, وإنما خصّ الغراب لأنه أكثر الطير بكوراً, والابتكار في طلب الحوائج مقرون بالنجاح والفلاح, وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((باكروا طلب الرزق والحوائج؛ فإنّ الغدو بركة ونجاح)). (مغاني, الشريشي, الرازي)
[4] قوله: [أستَقْري صوْبَ الصّوتِ اللّيْليّ...إلخ] ½أستقري¼ أي: أتتبع, و½الصوب¼ الجهة المقصودة, سمّيت بالمصدر, ويقال: ½فلان مستقيم الصوب¼ إذا لم يزغ عن قصده في مسيره يميناً وشمالاً, ½الليليّ¼ الذي سُمع بالليل, و½أتوسّم الوجوه¼ أي: أتعرّف وأنظر سمتها, وأتأمّل فيها, و½الجلي¼ الواضح البيّن, أي: أتتبّع وأقصد الصوب الذي تجيء منه الصوت وأنظر إلى علامة الوجوه. (مغاني, الشريشي بزيادة)