عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

إلى أنْ لمحْتُ أبا زيْدٍ [1] وابنَهُ يتحادَثان, وعلَيهِما بُرْدانِ رثّانِ, فعَلِمتُ أنّهُما نجِيّا ليلَتي, وصاحِبا رِوايَتي, فقَصَدْتُهُما قصْدَ كَلِفٍ بدَماثَتِهِما [2], راثٍ لرَثاثَتِهِما, وأبَحْتُهُما التحَوّلَ إلى رَحْلي, والتّحكّمَ في كُثْري وقُلّي, وطَفِقْتُ أُسيّرُ بينَ السّيّارةِ فضْلَهُما [3], وأهُزّ الأعْوادَ المُثمِرَةَ لهُما, إلى أنْ غُمِرا بالنُّحْلانِ [4], واتُّخِذا منَ الخُلاّنِ, وكُنّا بمعرَّسٍ [5] نتبيّنُ منْهُ بُنْيانَ القُرَى,


 



[1] قوله: [إلى أنْ لمحْتُ أبا زيْدٍ...إلخ] ½لمحت¼ رأيت وأبصرت, و½بُردان رثّان¼ ثوبان خلقان, و½النجي¼ المناجي, قال الله تعالي: ﴿وَقَرَّبۡنَٰهُ نَجِيّٗا[مريم:٥٢], أي: مناجيا, ½نجيًّا ليلتي¼ أي: المتحدّثان فيها, وجعلهما متحدّثَين مع الليلة مجازاً لِما أوقع الحديث فيها, كقوله تعالى: ﴿بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ[سبأ:٣٣] ولا يمكران إنما يُمكَر فيهما فنسب ذلك المكر إليهما, و½صاحبا روايتي¼ أي: اللذان أروي عنهما هذه القصّة. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [قصْدَ كَلِفٍ بدَماثَتِهِما...إلخ] ½كلف¼ أي: مولع ومحبّ, و½الدَّماثة¼ هو سهولة الخُلق ودمث يدمُث دمْثاً, و½رجُل دمِثٌ¼ إذا كان سهلاً طلقاً كريما, وفي المثَل: دمِّث لجنبك قبل الليل مضجعا, أي: خُذ أهبته واستعد له قبل وقوعه, و½راث¼ راحم مشفِق, و½رثاثتهما¼ سوء حالهما, و½أبحته¼ جعلته له مباحاً, و½التحوّل¼ الانتقال, و½إلى رحلي¼ أي: إلى منزلي, و½التحكم¼ بالنصب عطف على التحول, و½تحكَّم في الأمر¼ أي: تصرَّف فيه كيفما شاء, و½كُثري¼ كثير مالي, و½قُلّي¼ قليل مالي. (مغاني, الشريشي)

[3] قوله: [وطَفِقْتُ أُسيّرُ بينَ السّيّارةِ فضْلَهُما...إلخ] ½طفقت¼ أخذت وجعلت, وهو من أفعال الشروع, يقال: طفق بفعل كذا وكذا أي: جعل وأخذ, ½أسيّر¼ أنشر وأرفع, و½السيّارة¼ القافلة, وقيل: هم المسافرون, و½أهزّ¼ أحرّك, قال الله تعالى: ﴿وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ[مريم:٢٥], وقوله: ½أهزّ الأعواد المثمرة لهما¼ هذا مثَل, ومعناه: أنبّه وأحرّك كلّ من له مال وفيه كرَم على عطائهما كما يهزّ الشجَر لوُقوع الثّمَر, فكنى عن أصحاب الأموال بالأغصان المُثمِرة, يقول: جعلتُ أنشر بين القافلة فضلهما, وأحرّض أهل المال والكرَم على إكرامهما وآخذ لهما منهم شيئاً. (مغاني, الواسطي)

[4] قوله: [إلى أنْ غُمِرا بالنُّحْلانِ...إلخ] ½غمرا بالنحلان¼ أي: غُطيا بالعطية, ويقال لمن كان في شيء كثير: ½قد غُمر فلان¼ فهو مغمور, و½النُّحل¼ و½النُّحلان¼ اسم لما يعطى, و½الخُلان¼ جمع خليل, وهو الصَّديق, يقول: أهل قافلتي أعطوهما مالاً جزيلاً كأنهم ستروهما به وجعلوهما من جملة الأصحاب. (مغاني, المصباحي)

[5] قوله: [كُنّا بمعرَّسٍ...إلخ] ½المعرّس¼ الموضع الذي يُنزَل فيه للاستراحة في السفَر في آخر الليل ثمّ يُرتحَل منه, و½نتبين¼ أي: نستوضح, و½القُرى¼ جمع قرية, و½نتنوّر¼ ننظر النيران, و½القِرى¼ الضيافة وطعام الضيف, وكنا في ليلة بموضع ننظر منها بنيان القرية ونيران الضيافة. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132