عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

وطلَبَ المفَرّ, فلبِثْنا نرقُبه رِقبَةَ أهلّةِ الأعْيادِ [1], ونَستَطلِعُهُ بالطّلائِعِ والرّوّادِ, إلى أنْ هَرِمَ النّهارُ [2], وكادَ جُرُفُ اليومِ ينْهارُ, فلمّا طالَ أمَدُ الانتِظارِ [3], ولاحَتِ الشمسُ في الأطْمارِ, قُلتُ لأصْحابي: قد تَناهَيْنا في المُهْلَةِ [4], وتمادَيْنا في الرّحلَةِ, إلى أنْ أضَعْنا الزّمانَ, وبانَ أنّ الرجُلَ


 



[1] قوله: [فلبِثْنا نرقُبه رِقبَةَ الأعْيادِ...إلخ] ½لبثنا¼ أقمنا ومكثنا, ½نرقبه¼ أي: نرصده وننتظره, و½الرقبة¼ مصدر منه, و½الأهلة¼ جمع هلال, و½الأعياد¼ جمع عيد, أي: كانتظارنا لأهلّة الأعياد, ويُروى: ½رقبة الأعياد¼, فالمضاف محذوف, و½نستطلعه¼ أي: نطلب ونلتمس طلوعَه, و½الطلائع¼ جمع طليعة, وهو الذي يُبعَث في الحرب ليتعرّف أخبارَ الأعداء, و½الروّاد¼ الطلاب, جمع ½رائد¼ وهو في الأصل الرسول في طلب الكلاء أو الماء أو المنزل أو الملجأ من العَدُوّ, والمراد بذكر الجنسَين المبالغة في النظر وتحديد البصَر؛ لأنّ كلا الجنسَين متّصفان بإعداد النظر ومتحدان باختلاف البصَر والتمثيل به واضح كالشمس والقمر. (مغاني, الرازي)

[2] قوله: [إلى أنْ هَرِمَ النّهارُ...إلخ] ½هرم¼ شاخَ, ومعناه: قارَب أن يتمّ, و½الجرف¼ ما يأكله الوادي, استعاره للنهار, وقال ابن سِيدَه: ½الجرف¼ ما أكل السيل من أسفل شقّ الوادي والنهر, فإن لم يكن مِن شقه فهو شط وشاطئ, و½ينهار¼ ينهدم, قال الله تعالى: ﴿أَم مَّنۡ أَسَّسَ بُنۡيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٖ فَٱنۡهَارَ بِهِۦ فِي نَارِ جَهَنَّمَ [التوبة:١٠٩],  أي: قرب أن ينقضي النهار. (الشريشي, مغاني)

[3] قوله: [فلمّا طالَ أمَدُ الانتِظارِ إلخ] ½الأمد¼ المدة والزمان, قال الله تعال: ﴿فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ[الحديد:١٦], و½لاحت¼ ظهرت, و½الأطمار¼ في الأصل الثياب الخلقان, فاستعارها للشمس عند غروبها, فشبّه إصفرارَها وضُعفَ نورها في ذلك الوقت بالثِّياب إذا أخلقت وبُليَت. وبعضهم يستعمل هذه الاستعارات في الشتاء وغروب الشمس. (الواسطي, الشريشي)

[4] قوله: [قد تَناهَيْنا في المُهْلَةِ...إلخ] ½تناهينا¼ أي: بلغنا النهاية, و½المهلة¼ التراخي, أي: قد تراخينا في انتظاره حتّى بلغنا الغاية في ذلك, و½تمادى الشيءُ¼ إذا طال فيه المَدَى, وهو الغاية البعيدة, فأراد: طالت بنا هذه السفرة, و½أضعنا¼ من الإضاعة, وهو عدم الحفظ, و½الزمان¼ اليوم, و½بانَ¼ ظهر وتبيّن, و½مان¼ كذب, وقوله: ½تمادينا في الرحلة¼ على حذف مضاف للعِلم به, تقديره: تمادينا في ترك الرحلة وانتظارها, ومثل هذا الحذف جائز في النظم والنثر, وجاء في القرآن: ﴿وَسۡ‍َٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ[يوسف:٨٢], أي: أهل القرية, ولو لم يكن هذا الإضمار لَوقَع السؤال عن الجَماد وهو محال, ومثل هذا كثير في القرآن والكلام الفصيح, ممّا لا يتمّ المعنى إلاّ بتقديره, يقول: تأخَّرنا عن السفر اليومَ لتمادينا في ترك الرحلة فطالت علينا السفرة لعطلة السفر حتّى أضعنا اليوم الذي انتظرناه فيه حيث لم نسافر فيه وقد ظهر أنّ الرجُل الذي وعَدنا كذب. (الشريشي, مغاني)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132