تاريخ ورود الفتوى: ٢ جمادي الآخرة ١٣٣٤ هــ
هل التوضّؤ من الحوض أفضل أم من النهر؟
بيّنوا توجروا.
بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده ونصلّي على رسوله الكريم
التوضّؤ من النهر أفضل ولكن لمصلحة خاصّة، قال العلماء: التوضّؤ عن الحوض أفضل أمام معتزلي إغاظة؛ لأنّهم لا يجيزون ذلك.
في "فتح القدير": «وفي "فوائد الرُّستُغفَنِي": التوضّؤ بماء الحوض أفضل من النهر؛ لأنّ المعتزلة[1] لا يجيزونه من الحياض فيرغمهم
[1] وهو حاشية المؤلّف نفسه نقلتها دون أيّ تصرّف: ((في المعراج: بناء على جزء لا يتجزّأ فإنّه عند أهل السنّة موجود فتتّصل أجزاء النجاسة إلى جزء لا يمكن تجزئته فيكون باقي الحوض طاهرًا، وعند المعتزلة معدوم فيكون كلّ الماء مجاورًا للنجاسة فيكون الحوض نجسًا عندهم وفي هذا التقرير نظر، انتهى.
قال الشامي في توضيحه: عند الفلاسفة كلّ جسم قابل لانقسامات غير متناهيّة، فلا يوجد جزء من الطهارة إلّا ويقابله جزء من النجاسة فتتّصل أجزاء النجاسة بجميع أجزاء الماء، انتهى.
أقول: أوّلًا: أين القابليّة من الفعليّة، والجسم عندهم متّصل بالفعل فلا يلاقي إلّا ما لاقى.
وثانيًا: لو قسّم لم يلزم أيضًا اتّصال أجزاء النجاسة بجميع أجزاء الماء؛ لأنّ الانصاف على نسبة الأضعاف، فإذا كانت النجاسة قدر أصبع والماء ألف ذراع فنصفها نصف أصبع وشطره خمس مئة ذراع وهكذا إلى ما لا يتناهى، وتساوي التقسيم لا يستلزم تساوي الأقسام فيما بينهما، ألا ترى أنّ أيّام الأبد وسنيه كلا غير متناه، واليوم لا يساوي السنة أبدًا، وكفى بهذين لتوجيه النظر، ووجهه الشامي بما توضيحه مع تلخيصه إن لو بنيت المسألة عليه لما تنجس عندنا من الماء إلّا ما يساوي النجاسة حجمًا، فقطرة بقطرة ونصفها بنصفها.
أقول: وأيضًا يلزم المعتزلة لو قالوا به تنجيس البحر العظيم بقطيرة، قال: على أنّ المشهور أنّ الخلاف في الجزء بين المسلمين والفلاسفة بنوا عليه قدم للعالم وعدم حشر الأجساد، والمعتزلة لم يخالفوا في شيء من ذلك وإلّا لكفروا، انتهى.
أقول: ليس نفي الجزء كفرًا ولا لازم المذهب مذهبنا لا سيّما تلك اللوازم البعيدة، وكم من لزوم على مذاهب المعتزلة القائلين بها قطعًا ثم لم يكفروا، فليكن هذا منها فكيف يرد نقل الثقة، على أنّه يكفي فيه أن يكون قول بعضهم كما قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠/٩]، قالوا: قالها طائفة قليلة منهم كانت وبانت.
قال: فالأولى ما قيل من بناء المسألة على أنّ الماء يتنجّس عندهم بالمجاورة وعندنا لا بل بالسريان، وذلك يعلم بظهور أثرها فيه، فما لم يظهر لا يحكم بالنجاسة هذا ما ظهر لي فاغتنمه، انتهى.
أقول: نصّ في "البدائع": أنّ التنجّس بالتجاور، وبيّنا في "النميقة الأنقى": أنّ الماء القليل يتنجّس معًا لا بالسريان على أنّهم إذ لم يفرّقوا بين القليل والكثير يلزمهم بالمجاورة أيضًا تنجيس البحر الكبير برشح يسير، فالحقّ عندي أنّ ذلك مبني على أنّهم لا يلحقون الكثير بالجاري، والله تعالى أعلم، انتهى منه حفظه ربّه تعالى)).