صفة الإيثار
جاء عن بعض الصوفيّة رحمه الله تعالى قال: كُنَّا بِطَرَسُوْسٍ فاجْتَمَعْنَا جَمَاعَةً وخَرَجْنَا إلى بابِ الْجِهَادِ، فتَبِعَنَا كَلْبٌ مِنَ الْبَلَدِ، فلَمَّا بَلَغْنَا ظاهِرَ البَابِ، إذا نَحْنُ بدَابَّةٍ مَيِّتَةٍ، فصَعِدْنَا إلى مَوْضِعٍ عَالٍ وقَعَدْنَا، فلَمَّا نَظَرَ الْكَلْبُ إلى الْمَيِّتَةِ رَجَعَ إلى الْبَلَدِ، ثُمَّ عادَ بَعْدَ ساعَةٍ ومَعَهُ مِقْدَارُ عِشْرِيْنَ كَلْبًا، فجَاءَ إلى تِلْكَ الْمَيِّتَةِ وقَعَدَ ناحِيَةً، ووَقَعَتِ الْكِلَابُ في الْمَيِّتَةِ فمَا زَالَتْ تَأْكُلُهَا، وذلكَ الْكَلْبُ قاعِدٌ يَنْظُرُ إِلَيْها حتّى أَكَلَتِ الْمَيِّتَةَ، وبَقِيَ الْعَظْمُ، ورَجَعَتِ الْكِلَابُ إلى البَلَدِ، فقَامَ ذلك الْكَلْبُ وجاءَ إلى تِلْكَ الْعِظَامِ، فأَكَلَ مِمَّا بَقِيَ علَيْهَا قَلِيْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ[1].
أحبّتي الأعزّاء! في هذه القصّةِ الكثيرُ من الدروس والعبر، كأنّ الكلب يقول: أنا أحبُّ الإيثارَ على الرغم مِنْ أَنِّيْ كلبٌ، وكثير من الناس يكرهون الإيثارَ على الرغم مِن أنّهم بشرٌ! وقد رغّبنا سيدنا النبيُّ ﷺ في أحاديثه أنْ نحبّ لإخوتنا المسلمين ما نحبُّ لأنفسنا، حيث قال سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، عن النّبيِّ ﷺ قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[2].