قالوا: إنّه منذ أربعين سنة يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يأوي إلّا الخراب، ونظنّه في خرائب مكّة.
فجعلتُ أُجوّلُ في الخرابات، فإذا هو قائمٌ خلف جدار، وإذا يده اليمنى معلّقة في عنقه، وقد شدّها بقيدَين عظيمَين إلى قدمَيه، وهو راكع وساجد، فلمّا أحسّ بهمس قدمي، قال: مَن تكون؟
قلتُ: مالك بن دينار.
قال: يا مالك! ما جاء بك إليَّ؟ إنْ كنتَ رأيتَ رؤيا فاقْصُصْها عليَّ.
قلتُ: أستحي أنْ أقولها.
قال: بل قُلْ.
فقصصتُها عليه، فبكى طويلًا، وقال: كنتُ أكثر شرب المسكر، فشربتُ يومًا عند خدن لي حتّى ثملتُ وزال عقلي، فأتيتُ منزلي فدخلتُ، فإذا بأمِّي توقد تنوّرًا لنا، فلمّا رأتني أتمايل بسكري، أقبلَتْ تطعمني، وتقول: هذا آخر يوم من شعبان وأوّل ليلة من رمضان، يصبح الناسُ صوّامًا، وتصبح سكران!! أما تستحي مِن الله؟
فرفعتُ يدي فلكزتُها، فقالت: تعست.
فغضبتُ لقولها وحملتُها بسكري ورميتُ بها في التنّور.
فلمَّا رأتني امرأتي، أدخلَتني بيتًا وأغلقَتْ عليّ.
فلمّا كان آخر الليل ذهب سكري، دعوتُ زوجتي لفتح الباب.
فأجابتني بجوابٍ فيه جفاء.