| فهلْ بهَذا الرَّبعِ عذبُ المنهَلِ [1] | |
يقـول لـي: ألْـقِ عَصاكَ وادخُلِ |
| وابْـشِـرْ بـبِشْـرٍ وقِرًى مُعجَّلِ [2] |
قال: فبرزَ إليّ جَوْذَرٌ [3], عليهِ شَوْذَرٌ, وقال:
وحُـرمَةِ الشّيـخِ الذي سـنّ القِـرَى |
| وأسّـسَ المحْجـوجَ في أُمّ القُرَى [4] |
[1] قوله: [وهْوَ منَ الحَيرَةِ في تملْمُلِ..إلخ] ½تململ على فراشه¼ إذا لم يستقرّ عليه من الوجع كأنه مَلّةٌ وهو الرماد الحارّ, واستعاره لشدّة الاضطراب, وأصل تململ تملّل فأبدلت إحدى اللامين ميما لكثرة التضعيف, و½من¼ للسببية, و½الرِّبع¼ الدار بعينها حيث كانت, و½العذب¼ الحلو, و½المنهل¼ المورد, وهو عين الماء ترده الإبل في المرعى, ½عذب المنهل¼ من قبيل إضافة الصفة إلى متعلّق الموصوف, كما في ½رجل حسن الوجه¼ فالمعنى: رجل منهله عذب, يقول: والحال أنه من الحيرة في شدّة الاضطراب وهل في هذه الدار رجل ذو منهل عذب يُرَوِّي غَلِيلَه. وأراد بقوله: ½عذب المنهل¼ جواداً سخياً على طريق الاستعارة التصريحية, وقرينتها قوله الآتي: ½يقول لي¼. (مغاني, المصباحي)
[2] قوله: [يقول لي: ألْقِ عَصاكَ وادخُلِ...إلخ] ½ألق عصاك¼ أي: استقرّ واطمئنّ, وإلقاء العصا كناية عن الإقامة وترك السفر, ويقال للمسافر إذا أقام بالمكان واجتمع إليه أمره: ½قد ألقى عصاه¼, و½أبشِر¼ بكسر الشين أي: وافرح وسرّ, وحقّه أنْ يكون بقطع الهمزة؛ لأنه من بشرته بكذا فأبشر, أي: فرحته به ففرح, قال الله تعالى: ﴿وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ﴾ [حم السجدة:٣٠], إلاّ أنه وصَل الهمزة لضرورة الشِّعر, ويجوز أن يكون مراده ½وابشَر¼ بفتح الشين من قولك: ½بشِرتُه بكذا¼ بالكسر, ويروى: ½وابشُر¼ بضمّ الشين بما بشروا به بفتح الشين, فعلى هذا يكون همزته همزة وصل ولا يكون فيه ارتكاب ضرورة, إلاّ أنّ الرواية المشهورة بكسر الشين, و½ببِشْر¼ أي: بطلاقة وجه وضحك مسرّة من مضيفك, يحتمل أن يكون حالاً من فاعل ½يقول¼ أو معمولاً لـ½ابشر¼, و½القرى¼ الضيافة وما يهيّأ لإكرام الضيف. (الرازي)
[3] قوله: [فبرزَ إليّ جَوْذَرٌ...إلخ] ½برز¼ أي: خرج, و½الجوذر¼ -مهموز بفتح الذال وضمّها- ولد البقرة الوحشية, وجمعه جآذر, وهو هنا مستعار للصبي, و½الشوذر¼ الملحفة وهو معرّب, وأصله بالفارسية ½چادر¼, وقيل: هو ثوب له جيب ويترك جانباه غير مخيط يُلبس في الخلوة, وقيل: هو صدرة تلبسه الحديثة السنّ من
النساء, يقول: قال أبو زيد: خرج إلىّ غلام وعليه رداء خلق. (مغاني)
[4] قوله: [وحُرمَةِ الشّيخِ الذي سنّ القِرَى..إلخ] ½الواو¼ للقسم, و½الحرمة¼ العظمة والجلالة, والمراد بـ½الشيخ¼ سيدنا إبراهيم خليل الله ونبيه ورسوله وصفيه على نبينا وعليه الصلاة والسلام, واختصّه بلقب الشيخ؛ لأنه أوّل مَن شاب, ولمّا رأى الشيب قال: يا ربّ! ما هذا؟ فأوحى الله إليه: ½يا إبراهيم! هذا وقار¼ فقال: ½يا ربّ! زدني وقاراً¼, و½سنّ القِرى¼ أي: ابتدأ, وجعله سُنّة, وكان سيدنا إبراهيم أوّل مَن أضاف الضيف وجزّ شاربه وقصّ أظفاره واستحدّ واستاك وفرَق شَعره ومضمض واستنثر واستنجى بالماء. وكان إبراهيم عليه السلام يطعم طعامه فإذا أكلوا قال: هاتوا ثمنه, فيقولون ما ثمنه؟ قال: تحمدون الله تعالى, و½أسس المحجوج¼ أي: بنى أساس البيت الحرام, و½أسس البناء¼ إذا ابتدأ في أساسه وأصله, و½المحجوج¼ المقصود بالزيارة, هو بيت الله الحرام الكعبة يحجّها الناس, أي: يقصدونها ويزورونها, و½الحجّ¼ الزيارة والإتيان وقضاء نسك سنة واحدة, و½أمّ القُرى¼ هو مِن أسماء المكّة المكرّمة زادها الله شرَفاً وتعظيماً, وسُمّيت مكة ½أمّ القرى¼ لأنها أوّل الأرض وأصلها ومنها دُحيت أي: بسطت, وأصل كلّ شيء أمّه, قال ابن سِيدَه: سمّيت ½أمّ القرى¼؛ لأنّ أهل القُرى كلُّها يتوجّهون إليها بالصلاة والحجّ, وقيل: لأنها أكبر قرية بالحجاز, واتفق الرواة على أنّ أوّل من بنى البيت بعد الطوفان إبراهيم الخليل عليه السلام, قال الله تعالى: ﴿وَإِذۡ يَرۡفَعُ إِبۡرَٰهِۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ﴾ [البقرة:١٢٧]. (مغاني, الشريشي, الرازي)