ولكِنْ يا فَتى ما اسمُكَ [1], فقدْ فتَنَني فهْمُكَ؟ فقال: اسمي زيْدٌ, ومَنشئِي فَيْدٌ [2], ووَردتُ هذِهِ المَدَرَةَ أمْسِ, معَ أخْوالي منْ بَني عبْسٍ, فقلتُ لهُ: زِدْني إيضاحاً [3] زادك الله صلاحاً, عِشْتَ ونُعِشْتَ! فقال: أخبرَتْني أمّي بَرّةُ, وهيَ كاسْمِها برّةٌ [4], أنّها نكَحَتْ عامَ الغارَةِ بماوانَ, رجُلاً من سَراةِ سَروجَ وغسّانَ, فلمّا آنَسَ منْها الإثْقال [5], وكان باقِعةً على ما يُقال, ظعَنَ عنْها سِرّاً,
[1] قوله: [ولكِنْ يا فَتى ما اسمُكَ...إلخ] إذ السؤال عن اسم الصاحب والرفيق سنّة, و½فتنني¼ أي: أعجبني, و½فتَنه¼ أي: أضلّه وأذهب عقله, و½فهمك¼ ذكاؤك. (الجوهرية)
[2] قوله: [ومَنشئِي فَيْدٌ...إلخ] ½منشأ الإنسان¼ الموضع الذي نشأ فيه ورُبّي فيه, و½فَيد¼ بلد مشهور على طريق الحاج في نصف المسافة التي بين مكّة وبغداد, وفيها عين ماء, وينزلها عمّال طريق مكّة, وأهلها من طيء وهم في سَفْح جبلهم المعروف بـ"سلمى", و½وردت¼ أي: أتيت, و½المدرة¼ القرية, قال الأزهري: العرب تسمّى القرية المبنية باللّبِن والطين ½المدرة¼, وكذلك المدينة الضخمة يقال لها: ½المدرة¼, و½بنو عبس¼ قبيلة من قبائل العرب. (مغاني, الشريشي)
[3] قوله: [زِدْني إيضاحاً...إلخ] ½إيضاحاً¼ بياناً لحالك وإفصاحاً لسبب ارتحالك, و½عِشْتَ ونُعِشْتَ¼ دعاء, و½النَّعش¼ البَقاء والارتفاع، يقال: ½نعشَه الله¼ أي: رفعه, و½النَّعش¼ سرير الميت, لأنه مرتفعٌ على السرير, فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير, ويقال: ½نعَشتُ فلاناً¼ إذا جبرته وأغنيته بعد فَقر، أو نصرته بعد ظلم أو رفعته بعد عَثْرة. (مغاني)
[4] قوله: [وهيَ كاسْمِها برّةٌ...إلخ] ½برّة¼ من أسماء النساء, وهي غير منصرفة للتعريف والتأنيث, والمراد بالأوّل اسم أمّه وبالثاني صفتها, يريد أنها مكرّمة كثيرة البرّ, و½نكحت¼ تزوّجت, و½عام الغارة¼ أي: عام أغار عليهم عدوّهم, و½ماوان¼ بلدة, و½السّراة¼ الأشراف والسادة, و½سروج¼ اسم مدينة قريبة من الفرات, و½غسّان¼ اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه, يقول: أخبرتني أمي برّة وهي مثل اسمها مكرّمة كثيرة البرّ, بأنها تزوّجت رجلا من أشراف سروج وغساّن ببلدة ماوان في العام الذي أغار عليهم عدوّهم. (مغاني, الشريشي بزيادة)
[5] قوله: [فلمّا آنَسَ منْها الإثْقال...إلخ] ½فلمّا آنس¼ أي: أبصر وعلم, ½الإثقال¼ مصدر ½أثقلت المرأة¼, إذا ثقل الولد في بطنها, يعني الحبل وحمل الولد, ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّآ أَثۡقَلَت﴾ [الأعراف:١٨٩], و½الباقعة¼ الرجل الداهية الذكي الفطن, والتاء فيه للمبالغة, ويقال: ½فلان باقعة البقاع¼ إذا طاف بقاع الأرض واستفاد التجارب منها وعرف خيرَها وشرّها, و½الباقعة¼ عند العرب: الطائر الحَذِر المُحتال الذي يشرب الماء من البقاع, ولا يرد المَشارع والمِياهَ المَحضورة خوفاً من أن يُحتال عليه فيُصاد, ثمّ شُبِّه به كلُّ حَذِرٍ مُحتال, و½ظعن عنها سرًّا¼ أي: سار عنها خفية, و½هلمّ جرًّا¼ مثَل يضرب لاتصال الشيء, وينتصب ½جرًّا¼ في قول الكوفيين على المصدر؛ لأنّ في ½هلمّ¼ معنى ½جَرّ¼ وفي قول البصريين: هو مصدر في موضع الحال, تقديره: ½هلمّ جارّين¼ أي: متثبتين, وقال بعضهم: ينتصب على التمييز, والمعنى: فلمّا علم بالحمل هرب عنها خفية وما رجع إلى اليوم بعد. (مغاني, الشريشي)