وألِينَ وتخْشُنَ, وأذوبَ وتجْمُدَ, وأذْكو وتخْمُدَ؟ لا واللهِ! بلْ نتَوازَنُ في المَقالِ وزْنَ المِثْقالِ [1], وَنَتحاذَى في الفَعالِ حذْوَ النّعالِ, حتى نأْمنَ التّغابُنَ [2], ونُكْفَى التّضاغُنَ, وإلا فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني [3], وأقِلُّكَ وتستَقلّنِي, وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني [4], وأسْرَحُ إليْكَ وتُسرّحُني؟ وكيف يُجْتَلَبُ إنْصافٌ
[1] قوله: [نتَوازَنُ في المَقالِ وزْنَ المِثْقالِ...إلخ] ½المثقال¼ الصَّنجَة التي يوزن بها, سُمّيت بذلك لأنها تثقل ما يوزن بها في الكَفّة الثانية, ½نتحاذى¼ أي: نتقابل, من قولهم: حاذيته وحذوته, إذا جلست بحذائه, أو من قولهم: ½بني فلان يتحاذون الماء¼ أي: يقسمونه على السوية, و½الفَعال¼ بفتح الفاء اسم للفعل الحسن أو القبيح, ولا يقال بكسرها إلاّ في مصدر ½فاعَل¼, قال ابن الأعرابي: ½الفَعال¼ فعل الواحد من الخير والشرّ و½الفِعال¼ بالكسر الفعل بين الإثنين, وقوله: ½حذو النعال¼ فمِن المثل السائر: ½جزيته حذو النعل بالنعل¼, يضرب في المكافأة ومساواتها, والعرب تقول في الشيئين يشتبهان: ½هما حذو النعل بالنعل¼ أي: كلّ واحد من النعلين تُقطع على قالب أختها. (الشريشي, المطرّزي)
[2] قوله: [حتى نأْمنَ التّغابُنَ...إلخ] ½حتى¼ غاية للتوازن والتحاذي, و½نأمن¼ نسلم, و½الغبن¼ الخديعة في البيع والشراء, و½التغابن¼ أن يغبن كلّ واحد منهما صاحبه, أي: يخدعه ويغلبه, و½نكفَى¼ بالبناء للمجهول, وهو من ½كفاه شرّ عدوّه¼ منع شرّ العدوّ عنه, وفي التنزيل: ﴿فَسَيَكۡفِيكَهُمُ ٱللَّهُۚ﴾ [البقرة:١٣٧], و½تضاغن القوم¼ انطووا على الأحقاد, تفاعل مِن الضغن وهو الحقد, يقول: لا نزال المكافأة والمساوات في الكلام والعطايا حتّى نسلم من أن يخدع أو يحقد بعضنا بعضاً. (الرازي, المصباحي)
[3] قوله: [وإلا فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني...إلخ] و½أعُلّك¼ أسقيك عَللاً, أي: مرَّة بعد أخرى, و½العَلَل¼ الشرب الثاني, و½تعلّني¼ تمرضني, أي: وتصدرني قبل الرِّيّ, و½أقلّك¼ أرفعك, وفي التنزيل: ﴿ أَقَلَّتۡ سَحَابٗا ثِقَالٗا﴾ [الأعراف:٥٧], و½تستقلّني¼ تحقرني, يعني: أبالغ في الإحسان إليك مرّة بعد أخرى وأنت تمنعني الإحسان. (الشريشي, الواسطي)
[4] قوله: [وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني...إلخ] ½أجترح لك¼ أي: أكتسب لك, ومنه سمّيت ذواتُ الصيد مِن السباع والطيور ½جوارح¼؛ لأنها تجرح الصيد أي: تكسب, قال تعالى: ﴿وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ﴾ [الأنعام: ٦٠], أي: كسبتم, و½أسرَح¼ أرعى عليك وأجلب عليك الرزق بالغداة والعشيّ, ويقال: ½سرحتُ الدابةَ¼ أي: أرسلتها لترعى, و½تُسرِّحني¼ أي: تطلقني وتتركني, قال الله تعالى: ﴿أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ﴾ [البقرة:٢٢٩], أي: تطليق, ويقال: ½سرحتُ ما في صدري¼ أي: أخرجته. (مغاني, الشريشي)