لِما شاهدوا[1] من أنّ المحصّلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره وتقاعدت عزائمهم عن استكشاف خبيئات أسراره، وأنّ المنتحِلين[2] قد قلّبوا أحداق الأخْذ والانتهاب ومدّوا أعناق المسْخ على ذلك الكتاب، وكنت أضرب[3] عن هذا الخطب صفحاً وأطوي دون مرامهم كشحاً؛ عِلماً منّي[4] بأنّ مستحسنَ الطباع بأسرها ومقبولَ الأسماع عن آخرها
[1] قوله: [لما شاهدوا] تعليل لـ½سألوني¼ و½مَا¼ موصولة و½مِن¼ بيانيّة, والمراد بالمحصلين المريدون للتحصيل, ½تقاصرت¼ أي: قصرت, والهممُ جمع همّة وهي العزيمة أي: الإرادة على وجه التصميم ففي الكلام تفنّن حيث عبّر أوّلاً بالهمم وثانياً بالعزائم, ½عن استطلاع إلخ¼ أي: عن طلب الطلوعِ أي: الإدراكِ, والإضافة في ½طوالع أنواره¼ من إضافة الصفة للموصوف أي: أنواره الظاهرة, والمراد بالأنوار المعاني, ½تقاعدت إلخ¼ أي: ½تقاصرت هممهم¼, والاستكشاف طلب الإظهار, والإضافة في ½خبيئات أسراره¼ من إضافة الصفة للموصوف, والأسرار جمع سرّ وهو ضدّ الجهر والمراد بها النكات.
[2] قوله: [وأنّ المنتحلين] جمع منتحل وهو الآخذ لكلام الغير مظهراً أنه له, وإضافة الأحداق إلى الأخذ لأدنى ملابسة أي: قلّبوا أحداقهم للأخذ, وهذا كناية عن شدّة عنايتهم بالأخذ, والانتهاب هو الأخذ قهراً فهو من عطف الخاصّ على العامّ, وإضافة الأعناق إلى المسخ أيضاً لأدنى ملابسة أي: طوّلوا أعناقهم لمسخ "المطوّل" وهذا كناية شدّة اشتغالهم به فهذه الفقرة بمعنى التي قبلها.
[3] قوله: [وكنت أضرب] أي: والحال أني كنت أعرض عن هذا الأمر العظيم وهو اختصار الشرح, ½صفحاً¼ أي: إعراضاً فهو مفعول مطلق, و½دون مرامهم¼ أي: قدّام مطلوبهم, والكشح ما بين أسفل الخاصرة إلى الضلع الأسفل, أي: ولا أبلغهم مقصودهم وهو اختصار الشرح.
[4] قوله: [علماً منّي] علّة لـ½أضرب¼ و½أطوي¼ على التنازع, ½بأنّ مستحسن إلخ¼ أي: بأنّ الإتيان بالأمر الذي تستحسنه ذوو الطِباع, ½بأسرها¼ أي: بجميعها, ½ومقبول الأسماع¼ أي: وبأنّ الإتيان بالأمر الذي تقبله ذوو الأسماع, ½عن آخرها¼ أي: من أوّلها إلى آخرها فـ½عن¼ بمعنى ½إلى¼, ½أمر¼ خبرُ ½أنّ¼, ½مقدرة البشر¼ بضمّ الدال وفتحها مصدر ميميّ بمعنى قدرتهم, والقوى جمع قوّة, والقدر جمع قدرة.