ولمثل هذا فليعمل العاملون، ثم ما زادتهم مدافعتي إلاّ شغفاً[1] وغراماً وظمأً في هواجر الطلب وأواماً، فانتصبت[2] لشرح الكتاب على وفق مقترحهم ثانياً ولعنان العناية نحو اختصار الأوّل ثانياً، مع جمود القريحة[3] بصر البليات وخمود الفطنة بصرصر النكبات، وترامي البُلدان[4] بِي والأقطار ونبوّ الأوطان عنّي والأوطار، حتّى طفقت[5] أجوب كلّ أغبر قاتم الأرجاء وأحرّر كلّ سطر منه في شطر من الغبراء: فَيَوْماً بِالْحُزْوَى[6] وَيَوْماً بِالْعُقَيْقِ *
[1] قوله: [إلاّ شغفاً] الشغف الحبّ الشديد, والغرام الولوع, والظمأ العطش والمراد هنا الرغبة في مطلوبهم, والهواجر جمع هاجرة وهي وقت اشتداد الحرّ, وإضافتها من قبيل ½لجين الماء¼ والمراد بالطلب طلب اختصار "المطوّل" والأُوام حرارة العطش فعطفه على الظمأ من عطف اللازم على الملزوم.
[2] قوله: [فانتصبت] أي: فلمّا زادت رغبتهم قمتُ لشرح الكتاب شرحاً كائناً على موافقة مطلوبهم من كون ذلك الشرح مقتصراً فيه على بيان معاني المتن وكشف أستاره. قوله ½ثانياً¼ أي: انتصاباً ثانياً أو شرحاً ثانياً, ويحتمل أن يكون ظرفاً أي: انتصبت لشرح الكتاب في زمن ثانٍ باعتبار الأوّل, و½لعنان¼ متعلِّق بـ½ثانياً¼ الثاني بمعنى صارفاً وهو حال من فاعل ½انتصبت¼, شبّه العناية التي هي شدّة الاهتمام بالفرس وأثبت له العنان تخييلاً, و½نحوَ إلخ¼ أي: إلى جهة اختصار "المطوّل", وأراد بالجهة الاشتغال.
[3] قوله: [مع جمود القريحة] الجمود عدم السيلان استعير هنا للضعف, والقريحة عرفاً العقل, شبّه العقل بالماء وأثبت له الجمود تخييلاً, ½بصرّ البليّات¼ أي: بسبب البليّات التي هي كالصرّ وهو البرد الشديد, فإضافته للبليّات من قبيل ½لجين الماء¼, و½خمود الفطنة¼ أي: انطفاء العقل, ½بصرصر¼ أي: بسبب المصائب التي هي كالصرصر وهو الريح الشديد, فإضافته لما بعده كإضافة الصرّ لما بعده.
[4] قوله: [وترامي البلدان] أي: ومع طرد كلّ بلد إيّاي, والأقطار عطف على البلدان وهي جمع قطر وهو مجموع بلاد كثيرة, وهذا كناية عن تكدّر خاطره في عدم استقراره في محلّ بسبب الأسفار, والنبوّ البعد, والأوطان جمع وطن, والأوطار عطف على الأوطان وهي جمع وطر بمعنى الحاجة.
[5] قوله: [حتّى طفقتُ] غاية لنبوّ الأوطان أي: بعدت عنّي الأوطان إلى أن جعلت أقطع كلّ مكان ذي غبرة, و½قاتمِ الأرجاء¼ أي: مظلمِ النواحي بتلك الغبرة. قوله ½كل سطر منه¼ أي: من هذا الشرح المختصر. قوله ½في شطر من الغبراء¼ أي: في قطعة من الأرض.
[6] قوله: [فيوماً بالحزوى] أي: صار حالي في هذه الأسفار كحال القائل: يوماً أكون بالحزوى إلخ وهذه أربعة أسماء مواضع بالحجاز, وفيه اعتذار بأنه ألّف شرحه في حالة متعبة فإن حصل منه هفوة فلا لوم عليه.