أعهد إليك إذا أنا مت فاجعل قبري إلى جنب قبر أخي واكتب عليه وكيف يلذ العيش من هو موقن البيتين
ثم تعهد قبري ثلاثا فلما مات فعل أخوه ذلك فلما كان في اليوم الثالث من إتيانه القبر أراد الإنصراف فسمع وجبة من القبر كادت تذهب عقله فرجع مرعوبا فلما كان الليل رأى أخاه في منامه فقال كيف أنت قال بكل خير وما أجمع التوبة لكل خير فقال فكيف أخي قال مع الأئمة الأبرار قال فما أمرنا قبلكم قال من قدم شيئا وجده فاغتنم وجدك قبل فقرك فأصبح الأخ الثالث معتزلا للدنيا وفرق ماله وأقبل على طاعة الله تعالى ونشأ إبن له في المكاسب حتى أتت أباه الوفاة قال يا أبت ألا توصي لي بشيء قال يا بني ما لي مال فأوصي فيه ولكن أعهد إليك إذا أنا مت أن تدفني مع عميك وأن تكتب على قبري وكيف يلذ العيش من هو صائر البيتين ثم تعاهد قبري ثلاثا.
ففعل الفتى ذلك فلما كان اليوم الثالث سمع من القبر صوتا هاله فانصرف مهموما فلما كان الليل رأى أباه في منامه قال له يا بني أنت عندنا عن قليل والأمر جد فاستعد وتأهب لرحيلك وطول سفرك وحول جهازك من المنزل الذي أنت عنه ظاعن إلى المنزل الذي أنت به قاطن ولا تغتر بما إغتر به البطالون من طول آمالهم فقصروا في أمر معادهم فندموا عند الموت وأسفوا على تضييع العمر فلا الندامة عند الموت تنفعهم ولا الأسف على التقصير أنقذهم.
أي بني فبادر ثم بادر ثم بادر فقال الشيخ فدخلت على الفتى صبيحة الرؤيا فقصها علي وقال ما أرى الأمر الذي قال أبي إلا وقد أظلني ولا أحسب بقي من أجلي إلا ثلاثة أشهر أو ثلاثة أيام لأنه أنذرني بالمبادرة ثلاثا فلما كان آخر اليوم الثالث دعا أهله وولده فودعهم ثم إستقبل القبلة وتشهد ثم مات من الليل.