المفعول، وفي كون هذا التقديم للتخصيص نظر لأنه يكون مع الجهل بثبوت أصل الفعل كما إذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل ما فعلت بهما؟ فتقول: ½أمّا زيداً فضربتُه[1] وأمّا عمراً فأكرمتُه¼ فليتأمّل[2] (وكذلك) أي: ومثلُ ½زيداً عرفتُ¼ في إفادة الاختصاص (قولُك: ½بزيد مررتُ¼) في المفعول بواسطة لمن اعتقد أنك مررتَ بإنسان وأنه غير زيد، وكذلك ½يومَ الجمعة سرتُ¼ و½في المسجد صلّيتُ¼ و½تأديباً ضربتُه¼ و½ماشياً حججتُ¼ (والتخصيص لازم للتقديم غالباً) أي: لا ينفكّ عن تقديم المفعولِ ونحوِه في أكثر الصوَر بشهادةِ الاستقراء وحكمِ الذوق[3] وإنّما قال: ½غالباً¼ لأنّ اللزوم الكلّي غير متحقّق إذ التقديم قد يكون لأغراض أخر كمجرّدِ الاهتمام[4] والتبرّكِ والاستلذاذِ وموافقةِ كلام السامع وضرورةِ الشعر[5] ورعايةِ السجع والفاصلة
[1] قوله: [فتقول: أمّا زيداً فضربتُه إلخ] أي: فالسائل جاهل بالفعل المتعلِّق بهما وأنت تريد بيانَه ولم ترد التخصيص وأمّا تقديم المفعول فيه فلمجرّد إصلاح اللفظ بالفصل بين ½أمّا¼ والفاءِ.
[2] قوله: [فليتأمّل] أي: ليظهر أنْ ليس المقصود من الآية بيانَ أنّ ثمود هدوا فاستحبّوا العمى على الهدى دون غيرهم لأنّ من المعلوم أنّ الكفّار كلّهم كذلك بل المقصود الإخبارُ بسوء صنيعهم وبيانُ أنّ أصل الهداية أي: الدعوة للحقّ حصلت لهم ليعلم أنّ إهلاكهم إنما كان بعد إقامة الحجّة عليهم.
[3] قوله: [وحكمِ الذوق] المراد به هنا قوّة للنفس تدرك بسببها لطائف الكلام ووجوه محسِّناته فهو عبارة عن العقل. قوله ½وإنما قال إلخ¼ بيان لفائدة العبارة, وكان الأخصر الأعذب: ½والتقديم للتخصيص غالباً¼ إذ في تقييد اللزوم بالغالب حزازة. قوله ½غير متحقِّق¼ أي: غير ثابت.
[4] قوله: [كمجرّدِ الاهتمام] أي: كالاهتمام المجرّد عن التخصيص نحو ½العلم لزمت¼ فإنّ الأهمّ تعلّق اللزوم بالعلم. قوله ½والتبرّكِ¼ أي: تعجيلِ التبرّك نحو ½محمّداً صلّى الله تعالى عليه وسلّم أحببت¼. قوله ½والاستلذاذِ¼ أي: وتعجيلِ الاستلذاذ نحو ½الحبيب رأيت¼. قوله ½وموافقةِ كلام السامع¼ كقولك ½زيداً أكرمت¼ لمن قال ½من أكرمت¼.
[5] قوله: [وضرورةِ الشعر] كقوله: سَرِيْعٌ إِلَى ابْنِ العَمِّ يَلْطَمُ وَجْهَهُ * وَلَيْسَ إِلَى دَاعِي النِدَا بِسَرِيْعِ إذ لو أخَّر قوله ½إلى داعي الندا¼ عن قوله ½بسريع¼ لاختلّ الوزن. قوله ½ورعايةِ السجع¼ أي: السجع من النثر غير القرآن. قوله ½والفاصلة¼ أي: من القرآن لأنّ ما يسمّى في غير القرآن سجعة يسمّى في القرآن فاصلة رعاية للأدب إذ السجع في الأصل هدير الحمام. قوله ½ونحوِ ذلك¼ أي: كتعجيلِ المسرّة نحو ½خيراً تلقي¼ وتعجيلِ المساءة نحو ½شرًّا يلقي صديقك¼.