ونحوِ ذلك قال الله تعالى[1]: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلۡسِلَةٖ ذَرۡعُهَا سَبۡعُونَ ذِرَاعٗا فَٱسۡلُكُوهُ﴾ [الحاقة: ٣٠-٣٢] وقال: ﴿وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ﴾ [الانفطار:١٠] وقال: ﴿فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ[2] فَلَا تَقۡهَرۡ (٩) وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ﴾ [الضحى:٩-١٠] وقال: ﴿وَمَا ظَلَمۡنَٰهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ﴾ [النحل:١١٨] إلى غير ذلك ممّا لا يحسن فيه[3] اعتبار التخصيص عند من له معرفة بأساليب الكلام (ولهذا) أي: ولأنّ التخصيص لازم للتقديم غالباً (يقال في ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٤] معناه: نخصّك بالعبادة والاستعانة) بمعنى[4] نجعلك من بين الموجودات مخصوصاً بذلك لا نعبد ولا نستعين غيرك (وفي ﴿لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [آل عمران:١٥٨] معناه: إليه تحشرون لا إلى غيره، ويفيد) التقديم (في الجميع) أي: جميع صور التخصيص (وراءَ
[1] قوله: [قال الله تعالى: إلخ] كلّها أمثلة لما كان التقديم فيه لغرض آخر غير التخصيص. قوله ﴿ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ مثال لكون التقديم لرعاية الفاصلة. قوله ﴿وَإِنَّ عَلَيۡكُمۡ لَحَٰفِظِينَ﴾ لا يخفى أنّ هذا ليس من تقديم المعمول على العامل بل من تقديم أحد المعمولين على الآخر, ففيه إشارة إلى أنّ المصـ لم يُرد بالتقديم هنا تقديم المعمول على عامله فقط بل تقديم ما حقّه التأخير وإن لم يتقدّم على عامله.
[2] قوله: [وقال: ﴿فَأَمَّا ٱلۡيَتِيمَ﴾ إلخ] التقديم هنا لإصلاح اللفظ بالفصل بين ½أمّا¼ والفاءِ ورعايةُ الفاصلة أيضاً ظاهرة. قوله ﴿وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ﴾ التقديم هنا أيضاً لرعاية الفاصلة.
[3] قوله: [ممّا لا يحسن فيه إلخ] بيان للغير, ولا يخفى أنّ نفي الحسن لا يستلزم نفي الصحّة ولهذا حمل صاحب "الكشّاف" والقاضي البيضاوي قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ٱلۡجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ على التخصيص أي: لا تصلوه إلاّ الجحيم, وهي النار العظيمة. قوله ½بأساليب الكلام¼ أي: بمقاصده.
[4] قوله: [بمعنى إلخ] أشار به إلى أنّ الباء داخلة على المقصور. قوله ½بذلك¼ أي: بالمذكور من العبادة والاستعانة.