فلمَّا انْتَصَرَ في مَعْرَكَةِ القادسِيّةِ اتَّجَه الْمُنهَزِمُونَ نَحْوَ أَرْضِ بَابِل، فتَبِعَهُم سعدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه إلى بَابِل، وفَتَحَ الْمُدُنَ الَّتِيْ حَوْلَها، ثُمَّ سَارَ بأَمْرِ سَيِّدِنا أمِيْرِ الْمُؤْمِنين عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه إلى الْمَدَائِنِ الَّتِي تَقَعُ على الْجَانبِ الشَّرْقِيِّ لِنَهْرِ دِجْلَةَ، لكن جَيْشُ الْمَجُوْسِ حَطَّمَ جِسْرَ النَّهْرِ، وقد زَادَتْ مياهُ دِجْلَةَ زِيادَةً عَظِيْمَةً واسْوَدَّ ماؤُها، فعَزَمَ سعدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ على قَطْعِ هذا البَحْرِ، وسمَّى اللهَ وأَقْحَمَ [أَدْخَلَ] فَرَسَه دِجْلَةَ، فلَمَّا أَقْحَمَ أقْحَمَ النَّاسُ ولَمْ يتَخَلَّفْ أحَدٌ، فلَمَّا رَآهُم العدُوُّ يَطْفُوْن على وَجْهِ الْمَاءِ دُهِشُوْا جَمِيْعًا وتَعَجَّبُوْا قائِلِيْن: مجانين مجانين، فرَجَعُوْا أمامَ الْمُسْلِمِين، وقد بَعَثَ يَزْدَجِرْدُ ابنُ كِسْرَى أهْلَه وما قَدرَ عليه مِن الأَمْوَالِ والأَمْتِعَةِ إلى حلوان، وهَرَبَ خَائِبًا مِن الْمَدَائِنِ، فلَمَّا دَخَلَ سعدُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه إلى الْمَدَائِنِ كان العالَمُ كلُّه ساكِتًا وكانت قُصُوْرُ كِسْرَى والْحَدائِقُ تُعْلِنُ عن حَقارَةِ الدُّنْيا وسُرْعَةِ فَنائِها ولَمْ يَجِدْ بها أَحَدًا، عندها تَلاَ قوله تعالى: