لم يقع واحدٌ من القصر والنسيان على سبيل شمولِ النفي وعمومِه؛ لوجهين[1] أحدهما أنّ جواب ½أَمْ¼ إمّا بتعيين أحد الأمرين أو بنفيهما جميعاً[2] تخطئةً للمستفهِم لا بنفي الجمع بينهما؛ لأنه عارف بأنّ الكائن أحدهما، والثاني ما روي أنه لمّا قال النبيّ عليه السلام: ((كلُّ ذلك لم يكن)) قال له ذو اليدين: ½بل بعض ذلك قد كان¼ ومعلوم أنّ الثبوت للبعض[3] إنّما ينافي النفيَ عن كلّ فرد لا النفيَ عن المجموع (وعليه) أي: على عموم النفي عن كلّ فرد (قولُه) أي: قول أبي النجم: قَدْ أَصْبَحَتْ أُمُّ الْخِيَارِ تَدَّعِيْ * عَلَيَّ ذَنْباً كُلُّهُ لَمْ أَصْنَعْ، برفع ½كلُّه¼[4] على معنى: لم أصنع شيئاً ممّا تدّعيه عليّ من الذنوب، ولإفادة هذا المعنى[5]
[1] قوله: [لوجهين إلخ] علّة لكون المعنى لم يقع واحد من القصر والنسيان, وممّا يدلّ على هذا المعنى وما ورد في بعض الطرق: ((لم أنس ولم تقصر)).
[2] قوله: [أو بنفيهما جميعاً] أي: وليس في قوله عليه الصلاة والسلام تعيين أحد الأمرين فلزم أنّ مراده نفي كلّ واحد منهما. قوله ½تخطئة للمستفهم¼ علّة لنفيهما جميعاً وذلك لأنّ المستفهم بـ½أم¼ يعتقد ثبوتَ أحد الأمرين. قوله ½لا بنفي الجمع بينهما¼ أي: لا يجاب بنفي الجمع بين الأمرين لأنه لا يفيد المستفهمَ فائدةً لأنّه عارف إلخ.
[3] قوله: [ومعلوم أنّ الثبوتَ للبعض] أي: الذي هو موجبة جزئيّة. قوله ½إنما ينافي إلخ¼ أي: يناقض النفي عن كلّ فرد أي: الذي هو سالبة كليّة. قوله ½لا النفيَ عن المجموع¼ أي: عن الهيئة الاجتماعيّة الذي هو سلب جزئيّ, فذو اليدين علم من قوله عليه السلام: ((كلّ ذلك لم يكن)) أنّ مراده نفي كلّ فرد لا نفي المجموع وإلاّ لم يصحّ كون قوله ½بل بعض ذلك قد كان¼ رداًّ لأنه لا ينافيه.
[4] قوله: [برفع ½كُلُّهُ¼] أي: على أنه مبتدأ خبره جملة ½لم أصنع¼ والرابط محذوف أي: ½لم أصنعه¼. قوله ½من الذنوب¼ أشار بذلك إلى أنّ ½ذَنْباً¼ نكرة عامّة بقرينة المقام وإن كانت واقعة في سياق الإثبات أو إلى أنّه اسم جنس يقع على القليل والكثير فهو هنا بمعنى ½ذنوب¼ بقرينة المقام.
[5] قوله: [ولإفادة هذا المعنى] أي: ولإفادة عموم السلب, وهذا علّةٌ متقدِّمة لقوله ½عَدَل¼ فإنّ الشاعر لو نصب ½كلّه¼ لأفاد سلب العموم لكونه حينئذ معمولاً للفعل المنفيّ فعدل إلى الرفع ليفيد عموم السلب لكونه حينئذ مقدَّماً على النفي غيرَ معمول للفعل المنفيّ.