الناسُ أُمورَهم مِن المَزارع والمَتاجِر ومَحالِّ الدُيون والصومِ وغيرِ ذلك ومَعالِمُ للحَجّ يُعرف بها وقتُه، وذلك للتنبيه[1] على أنّ الأولى والأليَقَ بحالهم أن يسألوا عن ذلك لأنهم ليسُوا ممّن يَطّلِعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ولا يَتعلّق لهم به غرَضٌ (وكقوله تعالى: ﴿يَسَۡٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ﴾ [البقرة:٢١٥]) سألوا عن بيان ما ينفقون[2] فأجيبوا ببيان المصارف تنبيهاً على أنّ المهمّ هو السؤال عنها؛ لأنّ النفقة لا يعتدّ بها إلاّ أن تقع موقعها (ومنه) أي: من خلاف مقتضى الظاهر (التعبير عن) المعنى (المستقبل بلفظ الماضي تنبيهاً على تحقّق وقوعه نحو: ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾ [الزمر:٦٨]) بمعنى يصعق[3] (ومثله) التعبير عن المستقبل بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى: (﴿وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ﴾ [الذاريات:١٨]) مكان ½يقع¼[4] (ونحوه)
[1] قوله: [وذلك للتنبيه إلخ] أي: وإجابتهم ببيان الحكمة لا ببيان السبب للتنبيه إلخ. قوله ½لأنّهم ليسوا إلخ¼ فيه أنّ السائل بعض الصحابة وهم لذكائهم يطّلعون على ذلك, ويدفع هذا بأنّ الشارح لم ينفِ عنهم الاطّلاع على دقائق الهيئة مطلقاً بل نفى الاطّلاع بسهولة؛ وذلك لعدم تحصيل الآلات لا لنقص في طبيعتهم وذكائهم, ولو علّل بقوله ½لأنه يتعلّق به صلاح معاشهم ومعادهم والنبيّ عليه الصلاة والسلام إنما بعث لذلك¼ لكان أحسن.
[2] قوله: [عن بيان ما ينفقون] أي: عن بيان مقدارِ ما ينفقون أو عن بيان جنسِ ما ينفقون أو عن بيان كليهما. قوله ½فأجيبوا ببيان المصارف¼ أي: لا ببيان المنفَق. قوله ½إلاّ أن تقع موقعها¼ أي: في محلّها بأن صرفت في مصارفها, فإذا وقعت موقعها كانت معتدًّا بها قليلة كانت أو كثيرة.
[3] قوله: [بمعنى يصعق] أي: فالصعق معنى يقع في المستقبل وعبِّر عنه بلفظ الماضي على خلاف مقتضى الظاهر تنبيهاً على تحقّق وقوعه لأنّ الماضي يشعر بتحقّق الوقوع.
[4] قوله: [مكان ½يقع¼] فيه إشارة إلى أنّ لام الابتداء في قوله ½لواقع¼ لمجرّد التأكيد, وفيها دفع ما قيل إنّ التمثيل بالآية غير مستقيم لأنّ المعنى على تقدير ½ليقع¼ ولامُ الابتداء تُخلِّص المضارع للحال ففي قوله ½لواقع¼ تعبير باسم الفاعل عن الحال لا عن المستقبل, وحاصل الدفع أنّ لام الابتداء في المضارع وإن كانت في الأصل للتأكيدِ وتخليصِ المضارع للحال إلاّ أنها ههنا لمجرّد التأكيد لا للتخليص.