تعيين المفعول إنْ عامًّا فعامٌّ[1] وإنْ خاصًّا فخاصّ، ولمّا وجب تقدير المفعول تعيّن أنه مراد ومحذوف من اللفظ لغرضٍ فأشار إلى تفصيل الغرض بقوله: (ثمّ الحذف إمّا للبيان بعد الإبهام كما في فعل المشيئة) والإرادةِ ونحوِهما[2] إذا وقع شرطاً فإنّ الجواب يدلّ عليه ويُبيِّنه لكنّه إنّما يُحذَف (ما لم يكن تعلّقه به) أي: تعلّق فعل المشيئة بالمفعول (غريباً نحو: ﴿فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾ [الأنعام:١٤٩]) أي: لو شاء الله هدايتَكم لهداكم أجمعين فإنه لمّا قيل: ½لو شاء¼ عَلم السامعُ أنّ هناك شيئاً عُلقّت المشيئةُ عليه[3] لكنه مبهَم عنده، فإذا جِيءَ بجواب الشرط صار مبيِّناً له، وهذا أَوقعُ في النفس (بخلاف) ما إذا كان تعلّقُ فعلِ المشيئة به غريباً فإنه لا يُحذَف حينئذ كما في نحو قوله: (وَلَو شِئْتُ أَنْ أَبْكِيَ دَماً لَبَكَيْتُهُ) * عَلَيْهِ وَلَكِنَّ سَاحَةَ الصَّبْرِ أَوْسَعُ[4] فإنّ تعلّق فعل المشيئة ببكاء الدم غريب فذَكرَه ليتقرّر
[1] قوله: [إنْ عامًّا فعامٌّ إلخ] أي: إن كان المدلول عليه بالقرينة عامًّا فاللفظ المقدّر عامّ كقوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ﴾ [يونس:٢٥] أي: كلّ أحد, وإن كان المدلول عليه بالقرينة خاصًّا فاللفظ المقدّر خاصّ كقوله تعالى: ﴿أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان:٤١] أي: بعثه.
[2] قوله: [ونحوِهما] كالمحبّة نحو ½لو أحبّكم لأعطاكم¼ أي: لو أحبّ إعطاءكم. قوله ½إذا وقع شرطاً¼ إشارة إلى شرط حذف مفعول فعل المشيئة والإرادة ونحوهما. قوله ½ويبيِّنه¼ عطف تفسير.
[3] قوله: [عُلِّقت المشيئةُ عليه] أي: به, ولو قال ½تعلّقت المشيئة به¼ لكان أوضح. قوله ½وهذا¼ أي: البيان بعد الإبهام. قوله ½فإنّه لا يحذف¼ أي: لا يحسن حذفه كما صرّح به الشيخ في "دلائل الإعجاز". قوله ½كما في نحو قوله¼ أي: قول أبي الهندام الخزاعي يرثي ابنه الهندام.
[4] قوله: [ساحة الصبر أوسع] أي: من ساحة البكاء, ولا يخفى ما في قوله ½ساحة الصبر¼ من الاستعارة بالكناية والمعنى أنّ ما بي من الأحزان يوجب بكاء الدم عليه لكن أعانني على ترك ذلك الصبرُ. قوله ½غريب¼ أي: قليل. قوله ½فذكره¼ أي: وإن كان الجواب دالاًّ عليه. قوله ½ليتقرّر¼ أي: ذلك المفعول في نفس السامع لأنه صار مذكوراً مرّتين. قوله ½ويأنس به¼ أي: لتكرّره عليه بخلاف ما لو حذف أوّلاً ثمّ ذكر مرّة واحدة ولا تأنس به النفس.