إلى التفكّر ألبتّة، والبكاء الثاني مقيّدٌ مُعَدًّى إلى التفكّر فلا يصلح أن يكون تفسيراً للأوّل وبياناً له كما إذا قلتَ: ½لو شِئتَ أن تُعطِيَ درهماً أعطيتَ درهمين¼ كذا في "دلائل الإعجاز"، وممّا نشأ في هذا المقام من سوءِ الفهم وقلّةِ التدبّر[1] ما قيل: إنّ الكلام في مفعول ½أَبكِي¼ والمراد أنّ البيت ليس من قبيل ما حُذِف فيه المفعول للبيان بعد الإبهام بل إنّما حُذف لغرض آخَر، وقيل: يحتمل[2] أن يكون المعنى: ½لو شئتُ أن أبكي تفكّراً بكَيتُ تفكّراً¼ أي: لم يَبقَ فِيّ مادّةُ الدمع فصِرتُ بحيث أَقدِر على بكاء التفكّر فيكون مِن قَبيل ما ذُكِر فيه مفعولُ المشيئة لغرابته، وفيه نظر لأنّ ترتّب هذا الكلام[3] على قوله: ½لم يُبقِ منّي الشوقُ غير تفكّري¼ يأبَى هذا المعنى عند التأمّل الصادقِ لأنّ القدرة على بكاء التفكّر لا تَتوقّف[4]
[1] قوله: [وقلّة التدبّر] عطف سبب على مسبّب. قوله ½إنّ الكلام إلخ¼ أي: كلام المصـ. قوله ½في مفعول أبكي¼ أي: لا في مفعول المشيئة. قوله ½والمراد¼ أي: ومراد المصـ بقوله ½ليس منه¼. قوله ½ليس من قبيل إلخ¼ لأنّ قول الشاعر ½بكيت تفكّراً¼ لا يصلح بياناً لمفعول ½أبكي¼ لأنّه ليس التفكّر. قوله ½لغرض آخر¼ كالاختصار, وإنما كان هذا القيل ناشئاً من سوء الفهم وقلّة التدبّر لأنه لا يناسب السياق لأنّ الكلام في مفعولِ المشيئة وتفصيلِه والمقصود الردّ على من زعم أنّه ذكر هنا لغرابة التعلّق. تأمّل.
[2] قوله: [وقيل: يحتمل إلخ] الفرق بين هذا وما قاله صدر الأفاضل أنّ هذا القائل يجوِّز ما قاله المصـ كما يجوِّز ما قاله صدر الأفاضل بقرينة قول الشارح ½يحتمل¼, وأيضاً أنّ صدر الأفاضل لم يعتبر عدم بقاء مادّة الدمع بخلاف هذا القائل فإنه اعتبره كما أشار إليه الشارح بقوله ½أي: لم يبق فيّ مادّة إلخ¼, وقيل إنّ هذا القيل عين ما قاله صدر الأفاضل وإنما أعاده الشارح لتوضيحِه والردِّ عليه.
[3] قوله: [لأنّ ترتّب هذا الكلام] أي: ترتّب قول الشاعر ½فَلَوْ شِئْتُ إلخ¼, والترتّب جاء من الفاء المُفهِمة أنّ ما بعدها مرتّب على ما قبلها ومتوقِّف عليه من حيث إنّ الأوّل سبب في الثاني.
[4] قوله: [لا تتوقّف إلخ] لأنّه لا اختصاص لبكاء التفكّر أي: الحزن بمن لم يبق فيه الشوق سوى الخواطر لجواز حصوله ممّن يقدر على البكاء بالدمع أيضاً, وقد يقال إنّ المراد ½فصرت بحيث أقدر على بكاء التفكّر فقط¼ أي: دون بكاء الدمع, ولا شكّ في توقّفه على أن لا يبقى فيه غير التفكّر.